يقول المتابعون ان المسألة ليست مسألة آلية، جديدة أو آلية قديمة للتعيينات، بل مسألة تعيينات في حدّ ذاتها وبكل الفئات، يتنازعها الأقطاب بنهم يتجاوز حدود القناعات في عمليات المحاصصة التقليدية. كما لو ان البعض واثق بأنه بقدر ما يحتفظ لفريقه بمواقع ادارية ومالية ودبلوماسية دسمة، بقدر ما يجني مقاعد نيابية في الموسم الانتخابي القريب…
هذا التنافس الحاد. تخطى في بعض المواقع الحدود الفاصلة بين الطوائف والفئات، الى درجة المسّ بجوهر التفاهمات الأساسية، من خلال ممارسة بعض الأطراف الفيتوات على اقتراحات أطراف أخرى شريكة في السلطة.
وتحدثت أوساط قريبة من بيت الوسط، عن انعدام التفاهم مع فريق الوزير جبران باسيل على موقعين أساسيين، هما: محافظ جبل لبنان والأمين العام لوزارة الخارجية، وعدم التفاهم يمتد من أشخاص المرشحين، الى الحق الحصري بالاختيار…
نظرية ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم، عادت تعكس نفسها في موضوع التعيينات في أكثر من جانب، وبالتالي عادت تفرض انعكاساتها على مجمل الأمور المطروحة، من نفطية وكهربائية، وصولا الى تحديد موعد الانتخابات الفرعية!!
الأوساط المتابعة تتساءل عما اذا كان لتباين مواقف الرؤساء من طرح التفاوض مع الحكومة السورية، على عودة النازحين السوريين، علاقة بمشكلة التعيينات، بمعنى سكّرلي بسكّرلك علما ان لا سابقة، علنية على الأقل، لمثل هذا التباين المعلن.
واقع الحال ان ثمة تعارضات أخرى أشدّ تأثيرا، عاشها التفاهم الحاكم منذ انتخاب الرئيس ميشال عون، لكن الذهنية التسووية استطاعت احتواءه.
هذه النتيجة لا بد من الوصول اليها في نهاية المطاف، من خلال اجتماع المرجعيات الأساسية، وفق تقدير الوزير مروان حمادة، الذي أشار الى موطن الداء الراهن، وهو تعديل آلية التعيينات لتمكين أحد الأحزاب المسيحية من احتكار الوظائف الأساسية المحسوبة لطائفته، مؤكدا ان مشكلة التعيينات هي المحاصصة السياسية، وليست الطائفية، وبالتالي لا يجوز الخلط بين الحالتين.
انها مشكلة علي يرث وعلي لا يرث في تراثنا السياسي، مشكلة احتكار الوظائف، التي هي في الواقع الراهن، عقدة أكثر من حزب وتكتل.
والخلاف على التعيينات اذا لم يعالج بالقناعات، فقد يجرّ الى المزيد في الجلسة التشريعية المزدوجة التي حددها الرئيس نبيه بري يومي ١٨ و١٩ الجاري. وربما تفاقم أكثر مع التطورات السلبية المتوقعة في جرود عرسال، حيث بدأ البعض يعدّ تنازليا لانطلاق المعركة ضد مسلحي الجرود، والتي بدأ التمهيد لها بسلاح الجو السوري، مصحوبا بتحشدات لحزب الله على جانب السوري أيضا، وهو ما بدأت تتلمّس مخاطره المراجع اللبنانية المعنية.
بعض الأوساط المراقبة، ترى أن في هذا القرع لطبول الحرب، الكثير من التهويل، وان المواكب المحدودة للعائدين لا تتخطى من نزحوا خوفا من الحرب، لا من النظام. أما الكمّ الهائل من النازحين، فرهانهم الدائم على التسوية السياسية، أكان في آستانة أو عبر جنيف، والثنائية الأميركية – الروسية، التي وضعت يدها على الأوضاع السورية، ما بات مصدر قلق المشاركين الآخرين في لعبة الحرب الاقليمية وطليعتهم ايران.
وفي رأي هذه الأوساط ان الاضاءة الواسعة على الأعداد العائدة من النازحين والاصرار على مفاوضة حكومة دمشق من أجل تنظيم اعادتهم، غايته ازالة انطباع الدول المتابعة للأزمة السورية، بأن النازحين يرفضون نظام الحكم في بلدهم، ومجرد العودة بأعداد وافرة، تأكيد لانتهاء الحرب من جهة ولتعلق العائدين بالنظام الذي كان وراء تهجيرهم بمعنى أو آخر.
من هنا تريث المتريثين، الى ما بعد ان تضع هذه الحرب أوزارها فعليا، وما بعد هذا البعد من توافقات سياسية ودستورية وضمانات دولية مضمونة كفاية، إذ لا ينفخ اللبن إلاّ من كواه الحليب…