عرض «حزب الله» عبر امينه العام السيّد حسن نصرالله برنامجه الانتخابي. تصرّف كأنّه حزب عادي وطبيعي لا علاقة له بسلاح ذي دور إقليمي موجه الى صدور اللبنانيين، بل بمطالب المواطنين الطامحين الى ان يكون بلدهم افضل، كذلك ظروف حياتهم.
لا اعتراض على ما طرحه الحزب. لكنّ السؤال هل يستطيع ان يكون حزبا لبنانيا يهتمّ برفاه الشعب اللبناني ومستقبله ومستقبل الشباب في البلد… بدل ان يكون الشاب اللبناني وقودا في حرب تدور رحاها في سوريا وغير سوريا؟
ليست المشكلة مع «حزب الله» في البرنامج الانتخابي. المشكلة معه في مكان آخر. المشكلة في انّه ميليشيا مذهبية مسلّحة مرتبطة بقرار غير لبناني. قرار الحزب إيراني، وهو لم يخف ذلك يوما. ما الحاجة اذا الى برنامج انتخابي وما شابه ذلك ما دام الحزب يستطيع تعطيل مجلس النوّاب الى ان ينتخب رئيسا للجمهورية، هو الشخص الذي رشّحه الحزب. وضع الحزب البلد امام الفراغ الرئاسي. وضعه عمليا بين خيارين. الفراغ او مرشّح الحزب. وهذا جعل اللبنانيين الحريصين على بلدهم وعلى مؤسسات الدولة يقبلون ما قرّره الحزب. اخطر ما في الامر يتمثّل في نجاح الحزب في وضع قاعدة جديدة، لا علاقة لها بالديموقراطية، لانتخاب رئيس الجمهورية في لبنان وهو الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة كلّها الممتدة من اندونيسيا الى شمال افريقيا.
على الرغم من ذلك كلّه، يشكّل طرح الحزب لبرنامج انتخابي حدثا في حدّ ذاته بالنسبة الى فريق لا يؤمن بلبنان. فريق يعتبر نفسه جزءا لا يتجزّأ من المشروع التوسّعي الايراني الذي يقوم على الاستثمار في الغرائز المذهبية والبحث عن مبررات كي تبقى الدولة اللبنانية اسيرة السلاح غير الشرعي. هذا السلاح الذي فرض نفسه على البلد فرضا في العام 1969 لدى التوصل الى اتفاق مشؤوم اسمه اتفاق القاهرة.
ما يشكو منه «حزب الله»، بدءا بالفساد هو ما يشكو منه اللبنانيون. الفارق ان اللبنانيين يعرفون تماما ان لا مجال لأيّ حرب على الفساد ما دام هناك سلاح غير شرعي يفرض قانونا انتخابيا مثل ذلك الذي ستجري على أساسه الانتخابات المقرّرة في السادس من أيار المقبل. في بلد يحكمه سلاح غير شرعي، يصبح الفساد من باب تحصيل الحاصل ليس الّا. من لا يقيم اعتبارا للحدود الدولية للبنان ويخوض حربا على الشعب السوري بمشاركة روسيا وايران، انّما يجعل مسألة الفساد مجرّد وجهة نظر قابلة للنقاش.
باختصار شديد، لا معنى لايّ برنامج انتخابي ما دام لبنان يعاني من سلاح غير شرعي لا علاقة له من قريب او بعيد بمصلحة البلد والمواطن العادي الطامح الى ان يضمن مستقبلا لاولاده في لبنان. في ظلّ سلاح «حزب الله»، الذي يريد تحرير فلسطين انطلاقا من لبنان والذي يرى في القُصير او هذه البلدة السورية او تلك الطريق الأقصر الى القدس، لا تعود حاجة الى برنامج انتخابي من ايّ نوع.
المضحك المبكي انّ «حزب الله» تطرّق في برنامجه الانتخابي الى كيفية عمل مؤسسات الدولة والى ضرورة مراعاة الشفافية. ايّ معنى للشفافية عندما يكون لبنان دويلة في دولة «حزب الله». أي معنى لحزب يعتبر ان لديه رؤية اقتصادية لا علاقة لها بلبنان واللبنانيين. ليست الدعوة الى مكافحة الفساد والهدر سوى محاولة واضحة لنقل النقاش الى مكان آخر، أي الى تفادي الذهاب الى بحث جدّي في علّة العلل، أي في سلاح «حزب الله» الذي هو في أساس الازمة التي يعيشها لبنان على كلّ المستويات.
ذهب لبنان الى حرب 2006 من دون موافقة الدولة. ماذا جنى من تلك الحرب غير الدمار؟ جنى انتصارا لـ»حزب الله» على لبنان. ما يعيشه لبنان في هذه الايّام هو من ذيول الهزيمة التي لحقت به صيف العام 2006.
كان الهدف من افتعال تلك الحرب التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط 2005. لم تنفع كلّ الارتكابات التي اقدم عليها الحزب في تغطية تلك الجريمة التي أخرجت القوات السورية من لبنان. كان لا بدّ من حرب تمكن إسرائيل من تدمير جزء من البنية التحتية كي يقول «حزب الله» انّه حقّق انتصارا. نعم، تحقّق هذا الانتصار على لبنان.
ما نشهده حاليا هو استكمال للحرب التي يتعرّض لها لبنان. لم يستطع الحزب الانتصار على اللبنانيين في انتخابات 2005 ولم يستطع الانتصار عليهم في انتخابات 2009 على الرغم من غزوتي بيروت والجبل في ايّار 2008. يأمل «حزب الله» في استكمال حرب 2006 في السنة 2018. هذا كلّ ما في الامر. ليس طرح برنامج انتخابي سوى فصل آخر من الانقلاب الكبير الذي بدأ تنفيذه في المرحلة التي سبقت اغتيال رفيق الحريري. كانت محاولة اغتيال مروان حماده في الاوّل من تشرين الاوّل – أكتوبر 2004 المقدّمة لاغتيال رفيق الحريري والاغتيالات الأخرى التي تلته وصولا الى اغتيال محمد شطح.
ما يحاول «حزب الله» عمله هذه الايّام هو التمهيد لانتخابات يمكن ان تمكّنه من الحصول على الأكثرية البسيطة في مجلس النوّاب بما يسمح له بتمرير قوانين كثيرة. يريد من اللبنانيين ان يبتلعوا منذ الآن ما يبدو انّهم مقبلون عليه.
الملفت ان الثنائي الشيعي يبدو الجهة الوحيدة في لبنان التي اعدّت نفسها جيّدا للانتخابات النيابية. ليس مسموحا، مثلا، للشيخ عبّاس الجوهري ان يترشّح في بعلبك – الهرمل خشية ان يفلت نائب شيعي من «حزب الله».
ببرنامج انتخابي او من دون برنامج انتخابي لـ»حزب الله»، لا تبشّر مرحلة ما قبل الانتخابات وما بعدها بالخير. لو كان «حزب الله» يفكّر فعلا في رفاه اللبنانيين، لكان وضع بعلبك والمنطقة المحيطة بها افضل بكثير مما هو عليه الآن. ليس لدى الحزب ما يقدّمه غير الشعارات الكبيرة التي جعلت من بعلبك مدينة بائسة بدل ان تكون احد المعالم السياحية على الصعيد العالمي وليس الشرق الاوسطي فقط.
لا ينتمي «حزب الله» الذي يحتمل ان يكون، مع حلفائه، صاحب الأكثرية في مجلس النوّاب المقبل الى الأحزاب التي تسعى الى بناء دولة حرّة وسيّدة ومزدهرة يهمها توفير الامن والامان لشعبها بمقدار ما ان هدفه ان يبقى لبنان مجرّد «ساحة».
هناك مقاومة لبنانية لفكرة «الساحة» التي استخدمها الفلسطيني ثم السوري ويستخدمها حاليا الايراني. لن يقدّم طرح «حزب الله» لبرنامجه الانتخابي شيئا. لم يرتبط الحزب سوى بعملية تحويل الاقتصاد اللبناني من اقتصاد منتج الى اقتصاد ريعي وعسكرة الطائفة الشيعية ووضعها في خدمة المشروع الايراني. انّه يطرح بكلّ بساطة ان يكون لبنان تجربة فاشلة أخرى على غرار ما هو العراق اليوم حيث الميليشيات التابعة لإيران المسمّاة «الحشد الشعبي» هي الدولة لا اكثر ولا اقلّ.