روسيا تواجه تحديات التوظيف السياسي لأرباحها العسكرية في حرب سوريا. وليس أكبر من الرأسمال العسكري والديبلوماسي الذي استثمرته سوى المردود الذي تريد ان يتجاوز ما حصلت عليه حتى الآن. لا فقط داخل سوريا حيث القواعد العسكرية الدائمة واتفاقات الكهرباء والنفط والغاز في البحر، بل أيضا خارج سوريا حيث استعادة دور أوسع من الدور الذي كان للاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط وصولا الى دور القوة العالمية. والمحطة الاجبارية على الطريق الى تثبيت المردود هي المسارعة الى ترتيب تسوية سياسية للأزمة التي كانت الحرب في بعض أسبابها للهرب من مواجهتها، فزادتها تعقيدا. فما أكدته المشاركة التي يقول وزير الدفاع الجنرال سيرغي شويغو انها شملت ٤٨ ألف جندي روسي وعشرات آلاف الغارات هو القدرة الهائلة على التدمير. وما تكشفه التحركات السياسية هو حاجة موسكو الى أميركا وأوروبا والصين وقوى اقليمية لترتيب التسوية واعادة البناء.
ذلك ان روسيا تمهّد لمؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي بشيء من القصف السياسي، وشيء من الوعود المغرية. ولا مفاجأة في ان يتركز القصف على أميركا التي يتّهمها وزير الخارجية سيرغي لافروف بثلاثة أمور وسط الحاجة الى التفاهم معها. الأول هو ان الوجود العسكري الأميركي غير القانوني في سوريا يعرقل التسوية. والثاني هو الافتقار الى النزاهة في تفسير الاتفاقات مع موسكو. والثالث ان التحالف الذي تقوده أميركا لا يريد قتال تنظيم جبهة النصرة المصنّف ارهابيا وانما الحفاظ عليه لاستخدامه لاحقا في تنفيذ أهدافه.
وليس من السهل على موسكو، مهما تكن براعة الرئيس فلاديمير بوتين وجرأته على المغامرة، الاستمرار في السعي لإرضاء كل الأطراف، وممارسة الضغوط في الوقت نفسه بشكل متفاوت على كل طرف: إغراء المعارضين بفوائد المشاركة في سوتشي ثم مطالبتهم بالتخلّي عن مطلب رحيل الأسد. القول ان مؤتمر سوتشي ليس بديلا من مسار جنيف بل داعم له، والتصرّف على أساس التفلّت من مرجعية جنيف. حماية النظام ثم مطالبته بتقديم تنازلات يرفض التسليم بها ويريد الذهاب في الخيار العسكري الى النهاية. الحرص على دور ايران وحصتها، والايحاء من جهة أخرى بالرغبة في تحجيم النفوذ الايراني. ارضاء تركيا بادخال قواتها الى سوريا، ثم التفاهم مع أميركا على حماية الكرد وطموحاتهم حيث الهاجس التركي. والرد على مقاطعة فصائل معارضة لمؤتمر سوتشي واتهامها لروسيا بأنها دولة معادية، بالقول ان سوتشي لتمثيل كل أطياف الشعب السوري لا مجرد أفرقاء منه.
واللعبة أبعد من جنيف واستانا وسوتشي وأصعب من قيام الدبّ الروسي بدور الأكروبات.