العملية النوعية و»الاستباقية» التي نفذتها وحدات من الجيش اللبناني في مخيمي «النور» و»القارية» للنازحين السوريين في عرسال، بالغة الدلالة والأهمية وان لم تكن الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة.. خصوصاً وأنها تقاطعت مع معلومات، ثبتت باعتراف معتقلين، عن خطة لضرب الأمن والاستقرار في لبنان وتفجير سيارات والقيام بعمليات انتحارية، ابتداءً من «عروس البقاع» زحلة وصولا الى العاصمة بيروت..
قد يكون من المبالغة، بل من المبالغة تحميل «النازحين السوريين» مسؤولية احتضان «الجماعات الارهابية»، سواء كانوا من «داعش» او «النصرة» او غيرهما، وان كان في رأي البعض ان هذه الجماعات، وجدت في العديد من المخيمات «ملاذا آمنا» و»بؤرا صالحة»، وقد أكدت التحقيقات والمعلومات المتراكمة، لا صحة ما يقال ويشاع عن اتجاه قاطني المخيمين لمبايعة «داعش» او غيرها.. بل هم في غالبيتهم الساحقة، كانوا الأكثر تضرراً من تسلل وتمركز هذه المجموعات في المخيمات «ولا حول ولا قوة»؟!
العلاقات بين النازحين السوريين في مخيمي «النور» و»القارية» هي علاقة تاريخية مع أهالي عرسال، وهم من بلدات على المقلب الشرقي الآخر للبلدة البقاعية، التي، وعلى ما يعرف الجميع، كانت تعتمد في معيشتها على مصدرين أساسيين: المقالع والكسارات والتهريب من والى الأراضي السورية..
ليس من شك في ان التطورات الميدانية في سوريا والعراق عززت لدى «المجموعات الارهابية» فكرة العودة للتحصن في لبنان من جديد، مستفيدة من واقع عدد من المخيمات الفلسطينية، ومن أبرزها عين الحلوة، وصبرا وشاتيلا.. بعدما فشلت سابقاً، جراء الاجراءات والتدابير التي اتخذت سواء على المعابر الشرقية بين لبنان وسوريا، او تلك التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية، مع مسؤولي الأمن في المخيمات، والتي حققت انجازات بالغة الأهمية، على ما تؤكد التحقيقات حيث تبين ان ما لا يقل عن أربعين موقوفاً من بين الموقوفين الثلاثماية ينتمون الى «داعش» وهم متورطون مع الانتحاريين الأربعة الذين فجروا أنفسهم خلال مداهمة وحدات الجيش اللبناني المخيمين المذكورين، وهم من أخطر عناصر الارهابيين في الجرود وكانوا يعدّون أنفسهم لسلسلة العمليات في البقاع وبيروت والعديد من المناطق اللبنانية..».
وليس من شك أيضاً، في ان ضبط الأمن والاستقرار الذي حل مرتبة متقدمة جداً في الاهتمامات اللبنانية، على مدى السنتين الماضيتين، شكل هاجساً لدى المؤسسة العسكرية وسائر الأجهزة الأمنية.. خصوصاً وأن الصراع الدولي في سوريا دخل مرحلة دقيقة وبالغة الحساسية، مع التطورات الأخيرة في ميادين القتال، الأمر الذي عزز من ارتفاع منسوب المخاطر التي تهدد لبنان، والتي تعد لها هذه «المجموعات الارهابية» على تنوع انتمائاتها والتزاماتها.. خصوصاً وأن هذه «الجماعات» كانت ترى في ان لبنان قد يشكل حاضنة لا بأس بها، وهي بعدما فشلت في خطة تعزيز وجودها في العديد من المناطق، خصوصاً تلك التي لا تدين بالولاء لـ»حزب الله» اتجهت الى المخيمات الفلسطينية وبدأت في اعداد «خلايا نائمة»، للقيام بعمليات ساعة يطلب اليها.. وقد كانت أعين الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية كافة، بالتنسيق والتعاون مع مرجعيات في المخيمات، تتابع بدقة ما يحصل، الأمر الذي وفر معلومات دقيقة، بالتقاطع مع جهوزية الأجهزة والجيش لتنفيذ عملية يوم الجمعة الماضي، في عرسال.. وقد روى الجيش في بيان تفاصيل ما حصل..
ما حصل في عرسال لم يكن سهلاً ورسالة في أكثر من اتجاه وقد أظهر «ان الوضع الأمني في لبنان عموماً ممسوك وتحت السيطرة بنسبة كبيرة.. من دون اسقاط أي احتمال، او فرضية حدوث وخروقات إرهابية في أي لحظة.. الأمر الذي لا يحتمل أي «استرخاء» او «ثغرة» في الجسم اللبناني وهو على أبواب استحقاقات بالغة الأهمية، من أبرزها الانتخابات النيابية والبدء بتنفيذ «وثيقة بعبدا 2017»، واحياء عمل مجلس النواب من جديد.. من دون ان يعني ذلك، ان الخطوة الجبارة للمؤسسة العسكرية، وسائر المؤسسات الأمنية كافية، ولا بد من توفير كامل مستلزمات الدعم السياسي واللوجستي، كي تقوم هذه المؤسسات بالمهام الخطيرة والبالغة الصعوبة الملقاة على عاتقها وتحافظ على الأمن والاستقرار في البلد وتوفر الطمأنينة للبنانيين..
وتأسيساً على ذلك فقد ذهبت الغالبية الساحقة من الأفرقاء اللبنانيين الى تأكيد جملة من الثوابت التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- ان الأمن في الداخل، كما على الحدود، خط أحمر، وثابتة وطنية وان لا تهاون في ذلك.
2- ان الدولة اللبنانية، بمؤسسات الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، وسائر المؤسسات هي المسؤولة عن هذا الأمن.
3- ان الاحتياطات الأمنية، او «الأمن الاستباقي» يحتم التمسك بسياسة «النأي بالنفس» و»الحياد الايجابي..» التي دعا اليها خطاب الرئاسة والبيان الحكومي.. وعدم التدخل في شؤون الآخرين. وقد تعززت هذه الثوابت بتأكيد غير فريق لبناني ان «هذا الانجاز النوعي والبطولي حمى اللبنانيين من عمليات إرهابية» على ما قال «حزب الله»، كما وأكد آخرون «ضرورة توفير كل مستلزمات الدعم السياسي واللوجستي للجيش اللبناني ولسائر الأجهزة الأمنية الرسمية، كي تقوم بالمهام الصعبة..» مع عودة آخرين للتأكيد على ان «الجيش هو الجهة الوحيدة المخولة الدفاع عن البلد، وأي قرار استراتيجي هو للدولة حصراً..».