عن أي «جهاد» وأي «نضال»، يُحدث «حزب الله» وهو الغارق بدماء الشعب السوري حتّى أذنيه، وهو العاجز حتّى الساعة، عن إصدار بيان ولو في سطر واحد، يُدين فيه المجازر وعمليات القتل والنهب التي يُمارسها النظام السوري في كافة أنحاء سوريا وخصوصاً مدينة «حلب» التي كان لها النصيب الأوفر من حقد نظام الأسد وحلفائه سواء أنظمة أو ميليشيات تُشبه الحزب لجهة ممارساته وتغاضيه عن الحقائق والوقائع؟
يظهّر يوماً بعد يوم، أن ثمة ماكينة إعلامية ضخمة داخل «حزب الله» قد أُفرز لها جميع المتطلبات والمستلزمات التي تحتاجها عمليات التضليل الإعلامي وفبركة الحقائق وقلبها، هي التي تخوض معركة التجييش والحشد في الداخل والخارج بهدف حرف أنظار الرأي العام عن سياسة التمييع والتهرّب والإنكار التي يمارسها الحزب، وعن الوقائع الميدانية في سوريا والتي تُثبت حجم الخسائر الهائلة التي يتكبدها حلف «المُمانعة» هناك، والتي بدأت تنعكس «جنوناً» وتخبطاً داخل أوساطه السياسية بدءاً من إيران ثم مروراً بالعراق واليمن وسوريا، وصولاً إلى لبنان حيث التأثير الأكبر والهذيان الواضح في الأقوال والأفعال.
ضمن مسيرة الكشف عن حقيقة موقفه من الأزمة الرئاسية المُستفحلة في البلد، حاول الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بالأمس، رمي كرة الرئاسة في ملعب الغير بعد التنكّر للأسباب الفعلية التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية والتي يقف هو خلفها بالتكافل والتضامن مع حليفيه الإقليميين، النظامين الإيراني والسوري. ومن نافذة الهروب هذه، بدأ نصرالله في حديثه عن الشق اللبناني بتذكير اللبنانيين أن حزبه كان أوّل من بادر لإجراء حوار مع التيار الوطني الحر على أساس انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية، ليصل الى خلاصة تجافي الحقيقة تقول إن السعودية هي من تُعطّل هذا الاستحقاق. كما تناسى أن اللقاء الأول بين الرئيس سعد الحريري وعون، كان بهدف التقريب في وجهات النظر وإراحة الشارع تماماً كما هو الحال بالنسبة الى الحوار القائم بين «المستقبل» و«حزب الله». في مقابل كل هذا، لجأ الحزب إلى التعطيل، فلم ينزل نوّابه مرة إلى جلسة مجلس النوّاب لانتخاب مرشحهم العتيد.
أمّا في الشق السوري وتحديداً من موقع رفع التهم عن حزبه لجهة الممارسات التي يرتكبها إلى جانب نظام الأسد في سوريا، حاول نصرالله تبرير ساحته في ما خص الإبادة المذهبية التي تُرتكب بحق سكان العديد من المدن السورية ابتداء من قرى «الزبداني» و«مضايا»، وصولاً إلى «إدلب» و«حلب». يقول نصرالله إن من عطّل إتفاق «الفوعا» و«كفريا» مقابل «مضايا» و«الزبداني»، هم الجماعات المسلحة ومن خلفهم السعودية. فعلى الرغم من الإجحاف الذي ساقه نصرالله بحق السعودية، إلا أنه في الوقت نفسه، كشف عن مخطط مذهبي في سوريا، اختصره ببلدتين شيعيتين، وكأن الحرب الدائرة هناك، تنتهي مع انتهاء حصار هاتين البلدتين.
ولـ«حزب الله» فصول في تحريف الحقائق وقلب الأحداث لصالحه، ففي سياق عملية توزيع الأدوار التي يعتمدها «حزب الله» في صفوف قادته بهدف قلب واقعه المأزوم لصالحه حتّى ولو بدا التحريف واضحاً وملموساً، كان يوم أمس دور نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في «المرافعة» الخطابية التي تبدلت مواعيدها من أسبوعية إلى شبه يوميّة. يقول قاسم: «التجربة التي قدمها أبناء حزب الله تجربة فيها أخلاق وشرف وبأس ورعاية للمدنيين، واحترام للضوابط الشرعية، والعمل من الموقع الدفاعي، ومواجهة العدو الواضح، والهروب من الفتنة، وعدم الانجرار إلى العمل المذهبي، والتدقيق إذا كانت هذه الرصاصة ستنطلق في مكانها أم لا».
كان يُمكن لكلام قاسم، أن يمر مرور الكرام من دون أن يخضع للأخذ والرد ولا إلى التدقيق والمحاسبة، لو أنه كان أطلقه ضمن لقاءاته الخاصة أو ضمن حلقاته الضيّقة المُخصّصة لرفع معنويات المتواجدين. لكن، أن يُصار إلى تعميم الكلام، فهذا يتطلب الرد بالدليل والحجّة القاطعة. ما تقدم به قاسم، قطعاً لا ينطبق على حزبه لا من بعيد ولا من قريب، فالحزب الذي يدّعي قاسم بأنه يستحوذ على كل هذه الصفات التي أطلقها، يُمارس أبشع أنواع القهر والذل والتعصب بحق أبناء بلد هو دخيل فيه ولا يمتلك ذرّة من الحق في أن يتواجد على أرضه وان يُمارس كل ما ارتكبه حتّى اليوم ضد شعبه، ومن دون التمييز بين طفل أو مُسن.
قد غاب عن بال قاسم، أن إرتكابات «حزب الله» وحده في سوريا موثّقة سواء من المنظمات الدولية، أو من مؤسسات المجتمع المدني السورية. في بلدة «القصير»، هجّر الحزب الأهالي بعد ان استولى على منازلهم وأرزاقهم، وفي «الزبداني»، أجبر السكّان على النزوح ضمن عملية «ترانسفير» مقابل تأمين سلامة اهالي «الفوعا» و«كفريا». وفي «مضايا» منع وصول الغذاء والدواء، والسبيل الوحيد للنجاة بحياة الأطفال والمرضى، كان من خلال بيع الممتلكات بمبالغ زهيدة لا تساوي ثمن «ربطة» خبز. وفي «مضايا» أيضاً، أطلق عناصر «حزب الله» النار على الطفل أنس، ابن الخمس سنوات، على حاجز «العسلي»، فأصابوه بجروح بالغة في فمه وفي يده، وكذلك أصابوا الطفلة غنى قويدر بطلق ناري في ساقها وظلت تنزف أياماً حتّى سُمح لذويها بإخراجها من البلدة للمعالجة.
وفي «مضايا» أيضاً، منع عناصر الحزب، الطفل يمان عز الدين وشقيقته بيان، من مغادرة البلدة لتلقّي العلاج بعد إصابتهما بمرض التهاب «السحايا» الذي يفتك بأطفال البلدة منذ سنوات تحت انظار وحصار «حزب الله. وفي السياق لا بد من تذكير قاسم، بأطفال سوريين نزحوا من تحت الحصار والدمار إلى لبنان، فكان رصاص عناصره «الطائش»، لهم بالمرصاد، فحصد بعضهم وأقعد بعضهم الآخر. ولا بد من إنعاش ذاكرة قاسم، بمشهد أذهل العالم عندما أقدم عنصر من الحزب على حرق جثّة عنصر من المعارضة، بينما راح صديقه يلتقط له الصور بالقرب منها وهي تشتعل. وبعد كل هذا، يُريد قادة «حزب الله»، أن يُقنعوا العالم بطريقة أو بأخرى، بـ«أخلاقيات» عناصره، و«مساعدتهم» للمدنيين في سوريا.
شاء «حزب الله» أم أبى، فهو شريك في كل ما يحصل في سوريا من قتل وتهجير وتدمير، وحتّى في سكوته عن مجازر حليفه بشّار الأسد بحق المدنيين بالإضافة إلى الغلوّ الذي يُمارسه وإعلامه بحق شعب يصطف بالطوابير إستعداداً للموت بأشكال متعددة. ومقابل مشاركته بكل هذه الأفعال، يذهب الحزب إلى زرع الحقد بين جمهوره، فيوهمه بقدسية حرب سوف تحصدهم رياحها في حال لم يقطفوا «ثمار» عودة أبنائهم إلى مسقط رأسهم، قبل أن تسقط وجوههم في المجهول.