قبل أيام، أوقف حاجز الجيش في بلدة حربتا (البقاع الشمالي) ش. س. الذي كان يقود شاحنة محمّلة بقطع مسروقة من سكة الحديد، وبرفقته السوري ي. ج. في التحقيق مع الأخير، تبيّن أنه يؤلف مع شقيقه ف. ج. عصابة للسرقة وشراء المسروقات والإتجار بها. دهم الجيش منزل الشقيقين في إحدى قرى البقاع الشمالي وعثر على كمية كبيرة من المسروقات: كابلات لشركة كهرباء لبنان، أغطية قنوات تصريف مياه، أسلاك مسروقة من دير راهبات جبولة…
في مدينة بعلبك وبلدات محافظة بعلبك – الهرمل وقراها، كل ما تدخل المعادن في صناعته بات «مشرّعاً» للسرقة: أغطية «ريغارات»، شبابيك وبوابات حديدية لمنازل قيد الإنشاء، قساطل آبار ارتوازية، كابلات كهربائية… وحتى بوابات المقابر والأقفاص الحديدية التي تُشيّد حول بعض القبور.
هكذا، تحوّلت تجارة الخردة من «مهنة» مغمورة لا يمتهنها إلا الفقراء، إلى تجارة رائجة تتنافس عليها عصابات ومافيات بعد الارتفاع الملحوظ في اسعار الحديد والبلاستيك والنحاس مع ارتفاع سعر صرف الدولار. مسؤول أمني أكد لـ«الأخبار» أن جمع الخردة بات «مهنة من لا مهنة له»، وأصبح «عنصر جذب لعصابات سرقة تتألف من لبنانيين وسوريين يبيعون المسروقات الى تجار الخردة في البوَر المنتشرة في المنطقة».
وفيما لا يزيد عدد بوَر جمع الخردة على أصابع اليد الواحدة (بورتان على الحدود اللبنانية – السورية، واثنتان في بعلبك وأخرى في علي النهري)، شهدت منطقة البقاع الأوسط ارتفاعاً في عدد البوَر من 39 الى نحو 80 تتوزّع بين رياق والفيضة وبرالياس وقب الياس وتعنايل وغيرها، حيث يتم فرزها وكبسها وبيعها الى تجار يصدّرونها الى الخارج.
ويبلّغ في مخفر بعلبك، ضمن نطاقه فقط، عن أكثر من 8 سرقات يومياً، فيما يؤكد المصدر الأمني أن «عدد السرقات أكثر من ذلك بكثير، لكن كثيرين لا يُبلّغون عن تعرّضهم للسرقة». وعلمت «الأخبار» ان شركة كهرباء لبنان ومصلحة مياه البقاع في بعلبك تبلّغان، بشكل يومي، عن سرقات من مركزيهما ومن الشبكات العامة.
يبلّغ في مخفر بعلبك ضمن نطاقه فقط عن أكثر من 8 سرقات يومياً
سابقاً كان من يمتهنون جمع الخردة يتعاقدون مع البلديات لفرز نفاياتها قبل طمرها أو إحراقها، وكان اصحاب بور الخردة يعرفون هوية من يتعاملون معهم، ما يسهّل عمل القوى الامنية في التعرف إلى هوية من باعها. اليوم، يختلف الأمر كلياً في قطاع يفتقد التنظيم والترخيص القانوني، وفي ظل فلتان أمني وارتفاع معدلات السرقات وأزمة اقتصادية.
صاحب إحدى بور الخردة أوضح لـ«الأخبار» أن بيع الخردة «أصبح عملاً مربحاً. كثيرون اليوم يجمعون الخردة في منازلهم ويبيعونها لتجار متجولين ينقلونها الى خارج المنطقة سواء البقاع الأوسط أو الشمال، بعد ارتفاع اسعار المواد على أنواعها. فسعر كيلو الحديد يتراوح بين 6000 و10000ليرة والألمينيوم بين 12000 14000 ووصل سعر كيلو النحاس الى 80 ألفاً، والبلاستيك بين 5000 و7000 ليرة»، لافتاً الى أن بعض الخردة التي تُعرض على أصحاب البور يمكن بسهولة التخمين أنها مسروقة، كما في حالة كابلات شركة الكهرباء أو أغطية قنوات تصريف المياه، «إلا أن ذلك لا ينطبق على كابلات الكهرباء العادية والدفاعات الحديدية المنزلية (شبابيك وبوابات).
في بلدة ايعات، في البقاع الشمالي، يشهد سهل البلدة منذ أيام موجة سرقات استهدفت المزارعين وطالت رؤوس البخاخات المائية والقساطل ومعدات زراعية أخرى، بعد سرقات طالت أغطية أقنية مياه الأمطار وبوابات حديدية. رئيس بلدية ايعات حسين شفيق عبد الساتر أبدى أسفه من «الواسطات التي يقدم عليها البعض لإخلاء الموقوفين بجرم السرقة»، مناشداً القضاء والأجهزة الأمنية تفعيل دور حواجز التفتيش. وسأل: «كيف يمكن للصوص نقل مسروقاتهم من حديد وسكة حديد وأغطية وقنوات مياه وكابلات كهربائية من دون أن يتنبّه لهم أيّ حاجز للقوى الأمنية»!