ذكرت أمس في الحلقة الأولى، ما أشارت إليه صحيفة «The telegraph» البريطانية عن فرحة الإيرانيين في داخل الجمهورية الإسلامية وخارجها بعد فوز دونالد ترامب… فهم كانوا – ولا يزالون- يراهنون على التخلّص من حكم «الملالي» في إيران.
أضافت الصحيفة: «لقد كانت سياسة الضغط الأقصى» التي انتهجها ترامب خلال ولايته السابقة، والتي أدّت الى خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، وإعادة فرض العقوبات، خصوصاً على قطاعي النفط والغاز اللذين يسيطر عليهما الحرس الثوري الإيراني، فعّالة للغاية… فقد انخفضت صادرات النفط الإيرانية الى 200 ألف برميل يومياً. وحتى الصين التي كانت قلقة بشأن الوصول الى السوق الأميركية، امتثلت للعقوبات، مما حرم طهران من مليارات الدولارات. ولا يمكن إنكار أن «الضغط الأقصى» أدّى الى ركوع اقتصاد النظام، وألحق ضرراً كبيراً بقدرة شبكة الفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني على العمل، من «حماس» الى حزب الله.
ويعلم الجميع أن في عهد الديمقراطيين جو بايدن، سمح التخلي عن «الضغوط القصوى» للنظام الايراني بتصدير ما يصل الى 139 مليار دولار من مبيعات النفط، والوصول الى مليارات الدولارات من الأصول غير المجمّدة. وقد مكّن هذا التدفق النقدي بشكل مباشر من شنّ الهجوم على إسرائيل، في السابع من تشرين الأول. لكن تحقيق التدفق النقدي لخامنئي لن يكون الضربة الوحيدة التي قد يوجهها ترامب للحرس الثوري الإيراني ووكلائه. ومن المؤكد، أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب سيستعيد الردع العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، لجعل آية الله وأصدقائه يفكرون مرّتين قبل شنّ الهجمات.
إلى ذلك… نتابع ما نحاول إيضاحه، مشيرين الى ما تمّ فعله من قبل نظام «ملالي إيران»، في الدول التي أعلن أنه سيطر عليها سياسياً، وكنا قد بدأنا بالعراق. وها نحن اليوم ننتقل الى ما فعله النظام في سوريا. فلو كان «نظام الملالي» يريد أن يحارب الشيطانين الأكبر والأصغر (أميركا وإسرائيل)، كما ادعى، لكان استفاد من تدمير العراق وتقسيمه، علماً أنه لولا الجيش العراقي عام 1973، لكانت إسرائيل احتلت دمشق في حرب تشرين المجيدة.
على كل حال، يبدو أن مشروع الملالي لم يقتصر على تدمير العراق فحسب، بل امتد الى سوريا ولبنان واليمن.
ونبدأ حلقة اليوم بسوريا، فأيام الرئيس حافظ الأسد رحمه الله تعالى، كان الرئيس حريصاً على إيجاد توازن بين علاقاته العربية وبين علاقته مع إيران… وذلك منذ بداية الحرب العراقية ـ الإيرانية. وهناك خطاب للرئيس الأسد في عام 1981 في احتفال تخريج دفعة من المظليات (نساء) في سرايا الدفاع، الفرقة التابعة لشقيقه رفعت الأسد، حيث قال:
«يجب أن نحافظ على علاقاتنا العربية، كما نحافظ على علاقاتنا مع إيران».
أضاف: «نحن مستعدون أن نكون صمام الأمان في مصالحة أرعاها (أي الرئيس الأسد) بين إيران والعرب وخاصة العراق». ولكن للأسف لم يستجب أحد لرأيه… وهكذا دُمّر العراق ودُمّرت إيران، كما ذكرنا.
حافظ الأسد كان حريصاً على علاقاته مع أشقائه العرب ومع إيران في الوقت نفسه.
وللأسف الشديد، فإنّ هذا لم يفعله ابنه بشار الأسد ولم يستفد من خبرة والده وحكمته.
الغلطة الأولى التي ارتكبها بشار، كانت المفاعل النووي الذي كلّف 4 مليارات دولار، وكان هذا المشروع قد عُرض على الرئيس حافظ الأسد، فرفضه قائلاً: «لا أستطيع أن أحمي هذا المشروع، لأنّ إسرائيل سوف تدمّره».
وبالفعل، اكتشفت المخابرات الإسرائيلية عن طريق الهاتف الخليوي أن هناك عشرة آلاف اتصال بين دير الزور وبين كوريا… إضافة الى أنه خلال زيارة ضابط سوري كبير الى لندن، ذهب الى الفندق ووضع أغراضه في غرفة أحد الفنادق، وذهب الى السفارة تاركاً جهاز الكومبيوتر في الغرفة المذكورة… صعد رجلان من «الموساد» الإسرائيلي الى غرفة الضابط، وأفرغا المعلومات من جهاز الكومبيوتر، ووضعا جهازاً خاصاً داخل الكومبيوتر، حيث تمكن «الموساد» من الحصول على كل المعلومات التي تدخل الكومبيوتر.
أخد «الموساد» المعلومات، وطلب موافقة أميركية فحصل عليها ليشن غارة على دير الزور، وحصل على عينات من المفاعل النووي السوري عندها أذنت لهم المخابرات الاميركية بالقيام بضربة عسكرية للمفاعل النووي.
ولم يكتفِ التدخل الإيراني في سوريا باستغلال سوريا لنقل أسلحة الى حزب الله.. لكنه وإثر بدء الثورة السورية عام 2011، لم تكتفِ إيران بدعم جيش بشار… بل طلبت من حزب الله إرسال مقاتليه الى هناك. والجميع يتذكر ما قاله السيد حسن نصرالله يومذاك إنه مستعد أن يرسل عشرة آلاف مقاتل من الحزب ليدعم الرئيس بشار الأسد، وإنه هو شخصياً على استعداد للذهاب الى سوريا والمشاركة في الحرب.
وعلى كل حال، هناك جانب آخر، إذ حاولت إيران القيام بشعائر «تشييع» في المناطق السورية… كمنطقة أبو كمال ودير الزور. إذ بدأت إيران بدفع الدولارات من أجل التشييع… كل هذا جاء في وقت كانت الثورة السورية على مسافة أسبوع واحد لإسقاط بشار، لولا التدخل الروسي، حيث ذهب اللواء قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» يومذاك، الى موسكو… واشترى أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار وطلب دعماً عسكرياً روسياً.
ولولا التدخل الروسي، لكان النظام السوري في خبر كان. أما الوضع السوري الراهن، فبات معروفاً، فلم تعد هنا دولة اسمها سوريا اليوم، بفضل إيران أصبحت سوريا خمس دول:
دولة سوريا الإيرانية
دولة سوريا حزب الله
دولة سوريا الأميركية
دولة سوريا الروسية
ولم يبقَ من سوريا إلاّ دمشق والساحل السوري.
كلمة أخيرة لا بدّ من ذكرها، هي ان بشار حين تسلّم الحكم في سوريا، لم يكن هناك أي دين متوجب عليها. فالرئيس حافظ الأسد لم يترك أي دينٍ متوجب على بلاده… ولو كان هذا الدين دولاراً واحداً.
وبفضل بشار صارت سوريا بحاجة اليوم الى ألف مليار دولار لإعادة إعمارها.
هذا ما فعلته إيران في سوريا… ومن خلال ما ذكرت تعرفون تماماً، ما فعله «نظام الملالي» في بلدان ما يسمّى بـ «محور المقاومة».
والجميع يتذكر الغلطة الكبرى الذي فعلها الرئيس بشار يوم أمسك باليد اليمنى للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وبيده الشمال الشهيد حسن نصرالله… وهذه «الفعلة» تؤكد أن الرئيس الأب ما كان ليسمح بهكذا تصرّف. ولكن بما أن بشار قليل المعرفة والعلم فإنّه ارتكب تلك الغلطة المميتة.
وإلى اللقاء غداً في حلقة جديدة، من بلدٍ ثالث من بلدان ما يسمّى «محور المقاومة».