عامل الوقت يلعب ضد ترشيح فرنجية.. والاعتراض المسيحي يصعب تجاوزه بسهولة
داعمو التسوية لمعارضيها: زمن الانقلاب على التفاهمات ولّى
الحل الموعود لسوريا الغد يخدم مشروع 14 آذار
موقف المعترضين على مساعي التسوية الراهنة الهادفة إلى الإتيان بسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية لا ينطلق، من حيث الشكل، من تبني زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري لترشيح أحد أبرز أركان الثامن من آذار والحليف الوثيق للرئيس السوري بشار الأسد فحسب، بل يتعداها إلى جوهر هذا الخيار السياسي، ولا سيما أن التجارب السابقة أثبتت عقم التسويات المؤقتة والملتوية مع هذا الفريق.
الاعتراض ليس على مفهوم التسوية التي هي ملاذ كل الأطراف المتصارعة، مهما طال أمد الصراع بينها، ولكن الاقتناع السائد لدى هؤلاء أن ظروف التسوية وماهيتها ومضامينها ومعاييرها راهناً لا تسهم في جعلها تسوية تحمل مقومات الديمومة وتعيد الاعتبار إلى الحياة السياسية والدستور ومؤسسات الدولة والانتظام العام خارج هيمنة السلاح وتأثيره على القرار اللبناني والتوازن الداخلي. ولعل الأهم في رؤيتهم أن الفريق الآخر، والمتمثل بـ«حزب الله»، لا يأتي إلى التسوية بفعل تيقنه بضرورة العودة إلى الثوابت الوطنية وتسليمه بفشل رهاناته على إمكان إحكام سيطرته على البلاد كجزء من مشروعه الإقليمي الأكبر الذي يُشكّل أحد مرتكزاته، بل من منطلق اقتناصه الفرص التي تسمح له بتعزيز وضعه عبر تسوية مؤقتة ينقض عليها، حين تسمح له موازين القوى والتحولات الاقليمية، لتكريس مزيد من مكاسب الإمساك بالقرار والهيمنة.
وإذا كان «الحلف الرباعي» عام 2005 الذي انقلب عليه «الثنائي الشيعي» قابل للتأويل، فإن «اتفاق الدوحة» وليد «غزوَتَـيّ بيروت والجبل» عام 2008 كان واضحاً في بنوده التي أُقرت برعاية عربية ومباركة إقليمية – دولية، ولا سيما لجهة «تشكيل حكومة وحدة وطنية وتعهد الأطراف بعدم الاستقالة أو إعاقة عمل الحكومة» و«التعهد بالامتناع عن، أو العودة، إلى استخدام السلاح أو العنف بهدف تحقيق مكاسب سياسية». لكن سرعان ما جرى الانقلاب على هذا الاتفاق عندما رأى محور (سوريا – إيران – حزب الله) أن الظروف مؤاتية، فتمت حينذاك الإطاحة بحكومة سعد الحريري أثناء لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض في كانون الثاني 2011 عبر النكث بتعهّد عدم الاستقالة، ومن ثم ترويع بيروت بـ «غزوة القمصان السود» كوسيلة مرادفة لاستخدام السلاح التي كان من نتائجها السياسية إقصاء الحريري عن العودة إلى رئاسة الحكومة ثانية، والمجيء بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي بوصاية «حارة حريك»، والتي لم يتخلّ عنها الحزب إلا حين باتت مصلحته السياسية والشعبية تتطلب منه التراجع خطوة إلى الوراء بعدما ضربت التفجيرات مناطق بيئاته الحاضنة كارتداد لانغماسه في الحرب السورية، وشعوره بالحاجة إلى «حكومة وطنية» تخفّف من الاحتقان المذهبي الذي بلغ ذروته، وتشاركه عبء الأمن، وتوفر له مظلة داخلية ما دام قرار استمراره في الحرب السورية لا رجعة عنه. وحين تحقق له ما أراده، لم يتوانَ هذا الفريق وحلفاؤه عن شل «الحكومة السلامية».
تلك القراءة للمعترضين على التسوية الرئاسية، في صفوف الرابع عشر من آذار، لتجارب الانقلابات السابقة لفريق الثامن من آذار وما يمثله من ارتباطات إقليمية على التسويات السياسية لا تغيب عن بال الداعمين للتسوية في هذا الفريق، ولا سيما في «البيت المستقبلي»، غير أن هؤلاء يرون أن المعترضين لا يأخذون في الاعتبار التحوّلات التي طرأت على المشهد الإقليمي، والتي لم يعد معها المشروع الإيراني في المنطقة يحقق تقدماً على أي من جبهات المواجهة، لا بل يتلقى ضربات متتالية في أكثر من مكان، بدءاً من اليمن - حيث انهار - مروراً بالعراق الذي يُستنزَف فيه وصولاً إلى سوريا التي شكّل عجزه، بعد أربع سنوات من انخراطة المباشر وبواسطة أذرعة العسكرية من الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية، عن حماية نظام الأسد ما يشبه الهزيمة، الأمر الذي استدعى تدخلاً روسياً سيُفضي حكماً إلى تراجع نفوذ طهران، فضلاً عن أن كلفة «حزب الله» البشرية في سوريا أضحت عبئاً كبيراً عليه في بيئته الشعبية، ولم يستطع أن يحقق هذا المحور انتصارات يمكن البناء عليها حتى بعد التدخل الروسي الذي تشي التطورات المتلاحقة أن الأشهر المقبلة ستشهد مزيداً من السخونة بعدما بات اللاعبون الكبار يخوضون معارك بالمباشر على الأرض السورية.
هذا الواقع المرافق لعودة المخاطر الحقيقية إلى الحاضنة الشيعية من بوابة «إرهاب داعش» والحاجة مجدداً إلى تحضير مناخات ما يطلق عليه داعمو التسوية «طريق العودة»، وسط حسابات إيرانية مختلفة مع انفتاح الغرب عليها، يدفع إلى الاعتقاد أن ظروف التسوية مغايرة عن سابقتها، وكذلك إمكانات الانقلاب على الضمانات والتوافقات المصاحبة لها. وما يعزز قراءة داعمي التسوية للواقع الجديد دعوة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله إلى حل تحت سقف «اتفاق الطائف» فيما كانت المقاربات سابقاً تتحدث عن مؤتمر تأسيسي يُطيح بالدستور الحالي، فضلاً عن أن ما تسرب من بنود الاتفاق في المفاوضات بين الحريري وفرنجية لا يشي بتنازلات موجعة سبق أن قدمها فريق 14 آذار، لا بل إن اتفاق تقاسم السلطة تضمّن رئيساً للحكومة من 14 آذار مع أكثرية حاكمة بانتفاء مطلب الثلث المعطل، إضافة إلى قانون انتخابي على الاساس الأكثري – سيكون مرتكزه قانون الستين – خلاف ما كانت تطالب به قوى 8 آذار من قانون على أساس النسبية أو أساس مختلط.
المعنيون بالمفاوضات لا يزالون يتحدثون عن تقدّم يحصل على رغم من حجم الاعتراضات الذي ظهر بعد الكشف عن جدية ترشيح فرنجية، وهم يدركون أن عامل الوقت قد لا يكون لمصلحة إمرار التسوية. فبعض المراقبين بدأ يرصد انحساراً في حال التفاؤل الذي أشيع عن قرب نضوج «طبخة الرئاسة» وتحققها خلال النصف الأول من الشهر الجاري. وفي رأي هؤلاء أن التفاف القوى المسيحية الرئيسية المعترضة، ولاسيما «التيار الوطني الحر» و«القوات اللينانية»، وفرملة اندفاعة «حزب الكتائب» لا يمكن تجاوزها بسهولة. وإذا كان العاملون على خط الوساطات يراهنون على إمكان تذليل العقبات على خط العماد ميشال عون من خلال رغبات حلفائه الإقليميين وسلة من الإغراءات في الحقائب الوزارية والتعيينات الإدارية وثروات النفط، فإن الرهان قد يصطدم بعقبات أكبر مع «سيّد معراب» سمير جعجع الذي يرى أن التحالف العربي استطاع أن يلجم التمدّد الإيراني في المنطقة، وإنْ كانت المعركة لا تزال على أشدها، وأن الأزمة السورية، بالتدخل الروسي أو غيره، لن تؤول في النهاية إلا إلى رحيل الأسد وبزوغ مرحلة جديدة في سوريا، ما يعني أن أوان التسوية، إذا أطل، فإنه لا بد من أن يصب في مصلحة المشروع السياسي الذي تعبّر عنه لقوى الرابع عشر من آذار بوصفه مشروع قيام الدولة.
أحد المعنيين، في المقلب المعترض، توقف ملياً عند إشارة السفير السعودي علي عواض عسيري لدى عودته إلى لبنان إلى أن المملكة مع أي مرشح يُجمع عليه اللبنانيون عموماً، والمسيحيون خصوصاً، لأن رئاسة الجمهورية هي الموقع المسيحي الأول في الدولة، متسائلاً عما إذا كانت تلك الإشارة تحمل في طياتها رسائل متعددة الاتجاهات أم أنها تأتي في إطار الكلام الدبلوماسي ليس إلا!