هذا حديث على المسلمين عموماً والعرب خصوصاً أن يؤمنوا به ويصدّقوه ويثقوا به، في زمن اشتدّ فيه الظلام بالمسلمين وحولهم، جاءنا الزمنٌ الفارسي الكسروي الفاشي، ألف وأربعماية وأربعون عاماً على الهجرة النبويّة الشريفة، وفي الهجرة النبويّة الشريفة، علامةٌ على انكسار الغطرسة الكسروية وزوال الملك الفارسي، وما تفعله إيران اليوم في العالم العربي هو امتداد لتاريخ طويل من العداء «الكسرويّ» الفارسي للإسلام ونبيّه صلوات ربي عليه.
منذ «ارتجّ» إيوان كسرى وتصدّع، منذ انطفأت «نار المجوس» ومنذ غاضت بحيرةُ «ساوة» ـ ويقول المفسّرون أن غيْض أو غور بحيرة ساوة علامة على فناء الحضارة التي أقامها الفرس ـ ولنا أكثر من دلالة وعلامة على هذا العداء؛ في هجرة النبي الشريفة ما صاحب سفره و»ثانيَ اثنيْنِ إذْ هما في الغار» الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه…
خرج النبيّ لدار هجرته امتثالاً لأمر الله، وأعلنت قبائل الكفر من قريش أنه من يأتيها بمحمد صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً، فله مائة من «كرائم الإبل»، وخرج سُراقة طمعاً في الجائزة ، يومها قال الصدّيق أبو بكر يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا، وَبَكيت، قال: لِمَ تَبْكِ. قال: قلت: واللّه ما أَبكي على نفسي، ولكني أَبكي عليك، قال: فدعا رسول الله دعاءه الشهير: «اللَّهُمَّ، اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ وكيفَ شئت إنّك على كلّ شيء قدير»…
وعثرت فرس فارس قومه سراقه وغاصت قوائمها ثلاثاً، فستأمن رسول الله، واقترب سراقة وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني. ولم يسألاني، إلا أن قال: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي في كتاب آمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله»، ولمَّا همّ سُراقة بالانصراف قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف بك يا سُراقة إذا لبستَ سواريْ كسرى، قال سُراقة كسرى بن هرمز صاحب القصر الأبيض في المدائن؟، قال عليه السلام كسرى بن هرمز»، قال: نعم»…
هذا وعدُ حقّ من نبيّ الله، «سِوَاريْ كسرى»، وأعتقدُ أنّه واحدةٌ من علامات الصادقِ الأمين تركها لها لنتوقّف عندها ونتدبّرها كلّما أهلّ علينا عامٌ جديد من تاريخ هجرته الشريفة، وهذا الوعدُ النبويّ سيتحقّق بعد عشر سنوات في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، يوم سقط مُلْكُ كسرى وتلاشى، وفي يوم من آخر أيام خلافة الفاروق عمر قَدِم على المدينة رُسُلُ سعد بن أبي وقاص، يبشرون عمر بالفتح، ويحملون إلى بيت مال المسلمين الغنائم، وكان من بين هذه الغنائم تاج كسرى المرصع بالدر، وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب، ووشاحه المنظوم بالجوهر، وسواراه، وما لا حصر له من النفائس، نظر عمر إلى هذا كله في دهشة، وجعل يقلّبها بقضيب كان بيده زهداً بها، ثم قال: إن قوماً أدّوا هذا لأمناء، وكان في حضرته سيدنا عليّ كرم الله وجهه، فقال: «يا أمير المؤمنين، أَعَجِبْتَ من أمانتهم، لقد عَفَفْتَ فعَفُّوا، ولو رَتَعْتَ لرَتَعُوا، وسأل عمر أين سراقة بن مالك؟ فَأُتيَ ليبرّ وعد رسولِ الله له في هجرته، فألبسه قميص كسرى، ووضع على رأسه تاجَه، وألبسه سواريْه، ثم قال عمر لسراقة: «بخٍ بخٍ أُعَيْرَابي من بني مدلج على رأسه تاج كسرى، وفي يديه سواره»، وقال عمر لسراقة: ارفع يديك، وقل: اللّه أَكبر، الحمد للّه الذي سلبهما كسرى بن هرمز، الذي كان يقول: أَنا رب الناس، وأَلبسهما سراقةَ رجلًا أَعرابيًا، من بني مُدْلِج»، وأقول: هذا حدثٌ لا يجبُ أن يغيب عن أذهان المسلمين، فلا تخدعنّهم «التقيّة» الفارسيّة أبداً، ومهما بلغ بغي إيران فلن تقوم لملكها قائمة.