«لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير» ينطبق هذا المثل، على حال الحكومة مع الموظفين والهيئات الإقتصادية في آن معاً. فالسلسلة لم تُرضِ الذين يُفترض أنها وُضعت من أجلهم، وهي بالطبع لا ترضي الهيئات الإقتصادية التي تدرك أن مفاعيل السلسلة ستنطبق عليها وستكون ملزمة بتطبيقها في القطاع الخاص، كما في القطاع العام.
والواقع أن سلسلة الرتب والرواتب قد إنضمت الى الأزمات العديدة التي يعاني منها هذا البلد… الذي يصح فيه القول المأثور «ماشية والرب راعيها». لأنه لا يؤمن بالتخطيط. أو (من باب الإنصاف) لأن المسؤولين المتعاقبين على دفة الحكم فيه لا يؤمنون بالتخطيط. وإلاّ لما واجهنا ازمة السلسلة!
فعلاً لو كنّا نعيش في بلد يحترم حكامه الإنسان لما وقعنا في هذه الأزمات المتراكمة… والتي لا تجد أي منها حلاً، بسبب فقدان الرؤية. يقول الفرنسيون ما تعريبه: «الحكم هو الإستشراف». أما نحن فلا يستشرف القوم عندنا، طوال عقود متتالية، سوى مصالحهم الشخصية الآنية، على إعتبار أن هذا الوطن هو مجرّد بقرة حلوب يستنفدون لحمها وشحمها وحتى عظمها حتى آخر فرمة ونثرة. وإلاّ كيف نفسّر (على سبيل المثال لا الحصر) أزمة الكهرباء المتفاقمة منذ نحو ربع قرن… وحتى الآن من دون أفق.
ذات زمن وُجدت في هذا البلد شخصيات رؤيوية غير قليلة، نذكر منها إثنتين على سبيل المثال لا الحصر هما المرحومان إبراهيم عبد العال والشيخ موريس الجميّل… فالأول هو صاحب المخططات المائية المهمة التي لو عملوا بها لكان لبنان يوزّع المياه على المنطقة. والثاني هو صاحب الأفكار الخلاقة والذي سقط وهو يلقي مداخلته في جلسة الثقة بأول حكومة في عهد الرئيس سليمان فرنجية، لشدّة ما لقي من »زملائه« النواب من هزء وسخرية و.. جهل!
قال الشيخ موريس الجميّل بوزارة التصميم… ووجدت هذه الوزارة فعلاً قبل أن يتخلّى القوم عنها لأنها ليست في «مصلحتهم». لأن وزارة التخطيط تضع برنامجاً كاملاً ودقيقاً (مثلاً) لمشاريع المياه والكهرباء والهاتف الخ… فلا نضطر لكل مشروع أن نحفر الطريق،ثم نعيد حفرها، ومن ثم نعيد حفرها ثالثة على التوالي مع ما يرتب ذلك من نفقات ومترتبات مالية على خزانة الدولة… ناهيك بالإزعاج اللامحدود… ولكن هذا يقفل باب ارتزاق غير شرعي للسياسيين الذين يشاركون المتعهدين في الأرباح.
ثم كان الشيخ موريس صاحب اقتراح «الماء بالنفط» بمعنى أن الأنابيب التي تحمل النفط من المملكة العربية السعودية الى لبنان تنقل هي ذاتها مياه لبنان الى المملكة، بعد أن تكون سدود عبد العال قد وفّرت الكميات الهائلة من مياه الأمطار والينابيع والأنهار.
وكم كان الشيخ موريس الجميّل سبّاقاً عندما اقترح تعليب هواء جبل لبنان النقي والصحي في عبوات صغيرة تعمّم على بلدان العالم، خصوصاً الصناعية الكبرى حيث التلوّث سيّد الأجواء.
وهذا الإقتراح هو الذي «قتل» الشيخ الرؤيوي، إذ هزىء منه نواب كثيرون… فسقط الرجل على منبر المجلس مفارقاً الحياة!
بالأمس قرأت أنّ الصين، بعد اليابان لجأت الى تعليب الهواء النقي في عبوات صغيرة لمواجهة الذين لا يتحملون الهواء الملوث!
فقط بنحو اربعين عاماً سبق ذلك الكبير دولاً عظمى ومتطورة مثل الصين واليابان!