يرفع عدد من القيادات المسيحية، وفي مقدمها النائب ميشال عون، منذ سنوات شعار «إستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية» في إطار المعركة السياسية الهادفة الى «استعادة حقوق المسيحيين في الدولة»، في ظلّ مقاربة سياسية تعتبر أنّ «اتفاق الطائف» أضعَفَ دور المسيحيين ومواقعهم في المؤسسات الدستورية على المستويات كافة.
لكنّ الفرق شاسع بين الشعار والممارسة السياسية على أرض الواقع، بحيث أنّ الممارسة، لا سيما لناحية التسويات التي يتم التداول بها في إطار السّعِي لحلّ عقدة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يمكن أن تؤدي الى القضاء على ما تبقّى من هذه الصلاحيات عوض استعادة ما فُقد منها.
فالحديث عن سلّة تتضمّن اتفاقاً مسبقاً على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وقانون جديد للإنتخابات، يضرب الصلاحيات الرئاسية بحسب الدستور الحالي المعتمد من خلال الآتي:
1 – تُلغي السلّة الحق الدستوري لرئيس الجمهورية في الإمساك بآلية تشكيل الحكومة، بحيث يصبح الرئيس المنتخب مكبّلاً بالإتفاق السياسي المُسبق على هندسة الحكومة وتركيبتها وتوازناتها، في حين أنّ دستور «الطائف» الذي نقل الكثير من صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، أبقى للرئيس القدرة على التأثير من خلال صلاحية مشاركة رئيس الحكومة في تشكيل الحكومة عبر الإمتناع عن توقيع مراسيم تشكيل الحكومة في حال رفع اليه الرئيس المكلّف أي تشكيلة لا يقتنع بها، وبالتالي تتناقض مع تطلعاته وتوجهاته، وصولاً الى حقه في إبداء الرأي في قبول أو رفض توزير أيّ شخصية يمكن ترشيحها من المرجعيات السياسية والحزبية.
2 – إنّ النقاشات التي شهدتها طاولة الحوار في جولتها الأخيرة الأسبوع الماضي تركزت على استحداث مجلس الشيوخ الذي ينص عليه «اتفاق الطائف»، وفي ذلك مصادرة لصلاحية أخرى أساسية من صلاحيات رئيس الجمهورية.
فالدستور اللبناني ينص على أن يتمّ استحداث مجلس الشيوخ مع أول مجلس نيابي منتخب على أساس لا طائفي، علماً أنّ إلغاء الطائفية السياسية بحسب الدستور يتمّ بعد تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية برئاسة رئيس الجمهورية.
من هنا، فإنّ إقرار مجلس إنشاء مجلس للشيوخ قبل انتخاب رئيس للجمهورية يعني ضمناً قراراً بإلغاء الطائفية السياسية من دون الأخذ في رأي رئيس الجمهورية لناحية التوقيت والظروف والحيثيات والآليات التي سوف يجد الرئيس المقبل نفسه مُكبّلاً باتفاق سياسي مُسبق في شأنها.
3 – إنّ الإتفاق السياسي على طاولة الحوار على قانون للانتخاب في إطار سلّة تتضمّن انتخاب رئيس للجمهورية يُكبّل عملياً الرئيس المنتخب ويُجرّده فعلياً من صلاحية إبداء الرأي في هذا القانون وصولاً الى ممارسة حقه في رد القانون والطعن فيه أمام المجلس الدستوري.
4 – إنّ قبول الكثيرين من قادة قوى «14 آذار» بالقفز فوق بند بَسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بقواها الشرعية حصراً، وبالتالي جمع السلاح غير الشرعي وفي مقدّمه سلاح «حزب الله»، وإصرار قادة قوى «8 آذار» على رفض البحث في هذا البند المُدرج على كل جداول أعمال الحوار منذ العام 2006 وحتى اليوم ترجمة لـ»اتفاق الطائف» وحتى لـ»اتفاق الدوحة»، يُوجّه ضربة قاسية الى ما تبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية.
فالدستور اللبناني ينص على أنّ رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تأتمر بأوامر مجلس الوزراء، في حين أنّ السلّة السياسية التي يتم الحديث عنها تفرض على الرئيس المنتخب عدم مقاربة هذه المسألة الشائكة، وبالتالي تجرّده من صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة من خلال إبقاء قوات مسلحة على الأراضي اللبنانية خارج إمرته وإمرة مجلس الوزراء، علماً كما سبقت الإشارة اليه أنّ للرئيس الحق الدستوري في الموافقة على وزرائه أو رفضهم، وبالتالي على ضمان تشكيلة يتمثّل فيها في شكل وازن يسمح له بدور وازن في قرارات مجلس الوزراء لا سيما لناحية إمرة القوات المسلحة.
من هنا، فإنّ سلة التفاهمات السياسية التي يتم البحث فيها لانتخاب رئيس للجمهورية بعيداً عن المؤسسات الدستورية وبمعزل عن نصوص الدستور اللبناني، تشكل خطراً على ما تبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية، وبالتالي مزيداً من إضعاف دوره وتحجيم تأثيره في عمل المؤسسات الدستورية والحياة السياسية في لبنان.
ومن غير الجائز بطبيعة الحال أن يأتي الإتفاق على اسم رئيس الجمهورية على حساب موقع الرئاسة وصلاحياتها، كما أنه من غير الجائز أن يقبل أيّ مرشح رئاسي بتسوية سياسية على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عنها في الدستور لأنّ من شأن ذلك أن يعتبر تنازلاً مُسبقاً عن الصلاحيات ومساهمة مباشرة في توجيه الضربة القاضية الى الموقع المسيحي الأول في الدولة اللبنانية ودوره وتأثيره في دورة الحياة السياسية، في وقت ترفع شعارات وتُخاض معارك سياسية قاسية باسم تقوية الحضور المسيحي عموماً وموقع رئاسة الجمهورية خصوصاً.
* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»