على رغم كل ما اعترى الحراك، من تخريب افتعله مشاغبون لا يمتّون الى التظاهرة المطلبية المحقة بصلة، خرجت تظاهرة حملة “طلعت ريحتكم” بأبهى حلة، واكدت وجود مجتمع مدني خارج اطار الزعامات والاحزاب والطوائف، وأن بعض الشعب حي وحيوي، لم يستسلم، ولم يذعن، ولم يرضخ لمشيئة “النفايات السياسية” التي تتحكم بمفاصل حياتنا منذ زمن الحرب وما بعده، عندما تحول الميليشياويون رجال حكم وسلطة، لا رجال دولة ومؤسسات، فأمعنوا في تسلطهم، ولكن تحت راية الدولة.
دفعت التظاهرة السياسيين الى اعادة النظر في سياساتهم المتبعة، والاهمال المزمن في عدم تحقيق مطالب الناس، واقتسام المنافع، وتقاسم المناصب والوظائف، فأدركوا ان ثمة قوى يمكن ان تهز عروشهم، ومنها مجتمع مدني حضاري، ومنها مشاغبون ومندسون قد يقلبون الأوضاع رأسا على عقب.
وأفادت التظاهرة في دفع رئيس الحكومة تمام سلام الى حسم أمره، واستعادة زمام الامور في مجلس الوزراء، واتخاذ القرارات بالاكثرية المطلقة كما ينص نظام المجلس، لاغياً بدعة توقيع كل الوزراء، وخارجاً عن صمت وصبر لم ينفعا مع قوى التعطيل في الحكومة والوطن.
ولا ضير من الإفراط في استعمال القوة تجاه “المندسين” لأنهم يستحقون أكثر منه، فهؤلاء حفنة من الزعران الذين يفيدون من كل مناسبة للقيام بأعمال تخريب وسرقة. وقد سحبت كل الجهات السياسية مسؤوليتها عنهم وتملّصت من انتمائهم إليها، أي أنها تبرأت من أفعالهم ووضعتهم في خانة مدمني المخدرات والمشاغبين.
وما دام الجميع اتفق على تصنيفهم السيئ هذا، فإن مواجهتهم تصبح أمراً واقعاً وملحاً وضرورياً، لحماية المجتمع منهم، وللمحافظة على الأملاك العامة، وأيضاً لمعاقبتهم لأنهم خطفوا ثورة مدنية بيضاء جمعت نخباً من المجتمع، وبانت صورة مصغرة لذلك الحراك الشعبي الكبير في 14 آذار 2005. وقامت قوى الأمن بواجباتها في قمعهم ومنعهم من احتلال السرايا الحكومية أو أي مراكز أخرى، بل انها اتخذت موقع الدفاع في أكثر الأحيان تجاه زعرنات هؤلاء وتعدياتهم التي طالت كل شوارع العاصمة ومحالها ومؤسساتها، ولم تسلم المراكز الدينية من بعض أذى.
ولو أن القوى الأمنية لم تستعمل القوة لما تمكنت من ردع المشاغبين من التخريب أكثر، والسرقة والنهب، والتطاول على كرامات اللبنانيين، ومنهم وزراء ونواب اوادم، وفي طليعتهم رئيس الحكومة، اذ لا يجوز تعميم التهم ووضع جميع السياسيين في سلة واحدة.
ولولا “الافراط” في استعمال القوة، لكنا اتهمنا الاجهزة بالتقصير والوهن، كما في كل مرة لا تقوم بواجباتها في ملاحقة الخاطفين، في البقاع خصوصاً، وسارقي السيارات الى بريتال وبلدات أخرى، والمعتدين على أمن الآمنين في الفنار، والقبض على ارهابيين ومعتدين على الجيش والقوى الأمنية في غير منطقة.