طرح التفجير المزدوج في الضاحية الجنوبية لبيروت الذي أوقع مجزرة مرَوِّعة ذهب ضحيتها 43 شهيداً و239 جريحاً سؤالاً كبيراً يبحث عن جواب تتوقف عليه معرفة مآل مستقبل الوضع اللبناني في ظلّ اللهيب الذي تعيشه المنطقة.
السؤال هو: هل سقط، أو أُسقِط، القرار الاقليمي ـ الدولي بالحفاظ على الاستقرار النسبي في لبنان الى حين تبلوُر مصير الأزمات الإقليمية اللصيقة والبعيدة، وفي مقدمها الأزمتان السورية واليمنية المشتعلتان عسكرياً في الميدان وديبلوماسياً في فيينا وجنيف وما بينهما؟
وماذا يُراد للبنان من إسقاطه في الوقت الذي بدا يتلمّس نسائم الانفراج السياسي من خلال التسوية التي سهّلت عودة التشريع الى المجلس النيابي ولو بجلسة قد تبقى يتيمة يمكن أن يُبنى عليها لإنجاز الاستحقاق الرئاسي لاحقاً؟
والى هذا السؤال هناك سؤال آخر هو هل إنّ «داعش» لجأت مجدّداً الى هذه التفجيرات المرَوِّعة لإرباك ساحة حزب الله في ضوء تقهقرها في الميدان السوري نتيجة تقدم الجيش النظامي وحلفائه مدعوماً بالتدخل الجوّي الروسي؟
مطَّلعون على موقف حزب الله يؤكدون أنّ التفجير هو تعبير عن عقلية «داعش» الإرهابية، وقد لجأت اليه في إطار الحرب الدائرة بينها وبين حزب الله على الساحة السورية. ويرى هؤلاء أنّ المجزرة الجديدة التي ارتكبتها «داعش» مجدَّداً في الضاحية يمكن أن ترتكبها في أيّ وقت وفي أماكن أخرى في لبنان وخارجه، وهي أرادت من هذا التفجير المزدوج إحداثَ فتنة بين اللبنانيين الشيعة والسنّة، وفتنة بين اللبنانيين والفلسطينيين لاعتقادها أنّ مثل هذه الفتنة من شأنها أن تشغل حزب الله وحلفاءه عن مواجهتها في سوريا.
لكنّ الحزب أدرك أهداف «داعش» من هذا التفجير منذ لحظة وقوعه، علماً أنه كانت لهذا التظيم الارهابي محاولات مماثلة سابقة لإحداث فتنة سنّية ـ شيعية وفتنة شيعية ـ فلسطينية من خلال جرائم تفجير سابقة ارتكبها في الضاحية الجنوبية لبيروت وخارجها.
ويؤكد هؤلاء المطَّلعون أنّ المظلّة الأمنية ـ السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي تحمي الاستقرار اللبناني ما تزال قائمة وهذه المظلّة تمنع الاقتتال الداخلي اللبناني ـ اللبناني أو اللبناني ـ الفلسطيني، خصوصاً أنّ المناخ السياسي الداخلي الحاضر هو مناخٌ إيجابي في ضوء دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأخيرة الى «تسوية سياسية شاملة على المستوى الوطني» تشمل: رئاسة الجمهورية، الحكومة المستقبَلية رئيساً وتركيبة، المجلس النيابي وعمله، قانون الانتخاب الذي تتوقف عايه عملية إعادة تكوين السلطة»، بحيث تأتي هذه التسوية في إطار ما سمّاه السيد نصرالله «سلّة واحدة» وتقوم على أساس تنازلاتٍ متبادَلة «من أجل مصلحة البلد»، مكرِّراً الدعوة الى عدم انتظار أيّ شيء في الخارج «المشغول كلّه عنّا».
بَيْد أنّ سياسيين متابعين للتطوّرات الجارية يعتقدون أنّ «داعش» لا يمكنها اللجوء الى اختراق الساحة اللبنانية بهذا الحجم المرَوِّع، من دون إيحاءات أو إشارات أطلقتها قوى مؤثرة في هذا التنظيم المتطرف وعليه، خصوصاً أنّ التطوّرات الجارية في الميادين، ولا سيما منها الميدان السوري، لا تصب في مصلحة هذه القوى التي تدعم «داعش» وأخواتها من «جبهة النصرة» الى غيرها.
ويرى هؤلاء السياسيون أنّ الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه القوى المؤثرة تصرفت واجتهدت خارج القرار الدولي بالحفاظ على الاستقرار اللبناني، أم أنّ «داعش» هي التي تصرفت «من عندياتها» بِرَدٍّ دموي متوتر على التطوّرات الجارية في شمال سوريا لغير مصلحتها اعتقاداً منها أنها بمثل هذه العمليات الإجرامية قد تُربك حزب الله وحلفاءه في مواجهتها على الساحة السورية.
وفي رأي هؤلاء أنّ «داعش» فشلت في تحقيق أهدافها من مجزرة برج البراجنة، بدليل أنّ الموقف اللبناني عموماً خرج أشدّ صلابة في مواجهتها، فيما الموقف الفلسطيني أدرك سريعاً الفتنة التي خططت لإحداثها بين الفلسطينيين واللبنانيين، وخرج الموقفان اللبناني والفلسطيني صوتاً واحداً يدين الجريمة ويدعو الى التصدّي لهذه الجماعات والقضاء عليها… وانتصر دمُ الشهداء والجرحى الذي سال في الضاحية مجدَّداً على الفتنة ووأدها في مهدها.