العثور على جثامين العسكريين المخطوفين لدى داعش، قد يكون أغلق ملفا لطالما أثقل على كاهل الدولة والسلطة السياسية، وأرهقت عذاباته أهالي الشهداء الأبرار إلاّ انه فتح أو سيفتح أكثر من ملف سياسي، سيحتل حيزا واسعا من المرحلة السياسية اللبنانية الراهنة.
أول هذه الملفات ما أثاره أهالي القاع أمس، حول كيفية السماح للدواعش الكاشفين عن أماكن وجود الجثامين بالمغادرة الى دير الزور أو غيرها قبل التحقيق معهم لمعرفة من خطف وقتل ودفن الجنود، وتكتّم على الجريمة طوال أربع سنوات؟
ان تجهيل الفاعل في هذه الجريمة الوحشية النكراء. تحت أي عنوان أو شرط أو مقايضة، لن يهدّئ من روع أهالي الجنود الثمانية ولا مثلهم أهالي القاع، ولا كذلك أهالي من قتلتهم جبهة النصرة، التي غادر مسلحوها معززين مكرّمين وبغاية الطمأنينة الى حيث أرادوا الى ادلب.
ومن هنا الخوف من ان يتحوّل كشف مصير الجنود الشهداء، من اجلاء الدواعش عن مربعهم الأخير في الجرود، الى فخّ لحكومة استعادة الثقة.
وربما ليست الثقة التي تبحث عنها الحكومة هي المستهدفة في الشروط التي أملاها المسلحون عبر الوسطاء، وأهمها وجوب الوقوف على خاطر النظام في كل شاردة وواردة، وتحديدا في موضوع الجنود، قبل اكتشاف مصيرهم، بل المستهدف القرار السياسي، الذي تبدل من اطلاق معركة فجر الجرود الى وقف اطلاق النار، افساحا في المجال لكشف مصير الجنود، في حين ان مصيرهم كان مكشوفا، لبعض المعنيين السوريين منذ بضعة أشهر، وما طلب وقف اطلاق النار، بداعي البحث عنهم، إلاّ خدعة لتأمين خروجهم من الأراضي اللبنانية بأمان. الى جانب غاية أخرى، ألا وهي كبح الموجة الشعبية العارمة التي هبّت ترحيبا بموقف الجيش ودعما لانتصاراته.
لقد خرج الجيش من صف الصمت، مع عملية فجر الجرود، ليقول لمن يسمع: الأمر لي… هذا الأمر وتلك الانتصارات التي تحققت في المراحل الثلاث الأولى من الحملة العسكرية أدخلت على المعادلة اللبنانية عنصرا لاغيا لأشياء كثيرة، ومن هنا كان سيناريو وقف اطلاق النار لكشف مصير الجنود، وترحيل الدواعش، من خلال وساطة حزب الله، بين الجانب السوري ودواعشه، أما الجانب اللبناني فمن تحصيل الحاصل.
والراهن سيكون على الجانب اللبناني الذي حالت الضغوط دون انجازه المرحلة الرابعة من عملية الفجر، ان يسأل ويتساءل عن حقيقة داعش وحسبها ونسبها، وسرّ تفضيل قادتها وعناصرها عبور مناطق سيطرة النظام، على تلك الواقعة تحت سيطرة الجيش اللبناني؟ فضلا عن اغماض النظام عينه، عن مواكبهم العابرة والمدججة بالسلاح؟
وثمة من قرأ في اشتراط الدواعش، عبر الوسطاء المعروفين، المراجعة والتنسيق مع دمشق، والذي هبط على المرحلة الرابعة من علٍ عشية ساعة صفرها، محاولة لاستهداف مناداة الناس بحصرية اعتماد الجيش في مواجهة المنظمات الارهابية، وبالتالي منع اثبات قدرته على النصر.
واقع الحال ان الجيش كان يتهيّأ لاحتفال النصر على داعش في ساحة الشهداء، وفق اشارة الرئيس عون، وإذ جاء وقف اطلاق النار من جانب الجيش على حين غرّة، مع دخول الوساطات المشروطة على الخط الساخن، وسط جو سياسي – حكومي، قرأ في خطاب السيد نصرالله الأخير ما يتعين التوقف عنده، وكان قرار القيادة العسكرية من هذا الجو، مفاضلا بين السيّئ والأسوأ، في ظلّ القناعة بقدرة بعض الأطراف على استنساخ داعش بالجملة والمفرّق.
اللواء عباس ابراهيم، توقع حلّ هذه المعضلة، في التوقيت عينه، وعادة توقعات لواء المفاوضات الصعبة لا تخيب، لكن بقي على الحكومة، ان تدحض مقولة خضوعها للابتزاز، وان تقنع من خاب أملهم، في الداخل والمحيط، بأنه ليس بالامكان أفضل مما كان، وان الجيش، يبقى الحامي والحلّ، مهما تبدّلت الظروف وتغيّرت.