يبدو المشهد السياسي بعد العطلة الطويلة التي انتهت بالأمس، غارقاً في الغموض والإرباك والتصعيد «المكتوم»، في ضوء استمرار إضراب موظفي القطاع العام الذي احتل صدارة الاهتمام السياسي وتحديداً الحكومي، نتيجة تداعيات هذا الإضراب على الأوضاع الحياتية كما المالية للمواطنين من جهة، والمؤسسات الرسمية من جهة أخرى. وبرأي أوساط سياسية مواكبة للمطالب التي ما زال يرفعها الموظفون كما المتقاعدين في القطاع العام والأجهزة الأمنية، فإن هؤلاء لم يوافقوا على نسبة الزيادات التي أقرتها الحكومة على أجورهم، على الرغم من أن حجم هذه الزيادات كان لافتاً من حيث الشكل، ولكنه لا يؤمن المطالب المحقة للموظف الذي تراجعت قدرته الشرائية بشكلٍ كارثي، وخصوصاً أن زيادة الرواتب ستكون خاضعة وفي وقت قصير لزيادة سعر الصرف وفق التوقعات الاقتصادية، ما سينسف أي زيادة مهما كانت نسبتها.
لكن هذه الأوساط تلحظ في هذا السياق، أكثر من عاملٍ سياسي كما اجتماعي ونقابي واقتصادي، يتكون منها المشهد النهائي للقطاع العام، حيث ان الجمود والإضراب المتواصل منذ أشهر، قد أدى إلى تراجع إيرادات الخزينة العامة وبالتالي عجز تمويل أي زيادات على الأجور، ما قد يستدعي إجراءات مختلفة من بينها رفع الرسوم أو زيادة سعر الدولار الجمركي، ولكن من دون التوصل إلى أي حسم في هذا المجال، على الأقل في اللحظة الراهنة.
ومع سقوط كل التوقعات بإمكان عودة القطاع العام عن قرار الإضراب، تشير الأوساط السياسية المواكبة، إلى مناخٍ من التصعيد في الأيام المقبلة، لافتةً إلى أن الاجتماعات التي حصلت في السراي الحكومي بالأمس، لم تحقق أي نتائج إيجابية على صعيد تقريب وجهات النظر بين الحكومة وموظفي الإدارة العامة، الذين ما زالوا يعتبرون أن ما قدمته الحكومة لهم، لا يلبّي ما سبق وطالبوا به بالنسبة للعنوان المرتبط بالطبابة والاستشفاء بالدرجة الأولى وصولاً إلى موضوع النقل وارتفاع سعر المحروقات.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، تلفت الأوساط نفسها إلى أن الموظفين، يناقشون حالياً قرار العودة مجدداً إلى التحرك والاحتجاج في الشارع، وذلك للاعتراض على ما يعتبرونه «تجاهلاً» لمطالبهم المحقة من قبل حكومة تصريف الأعمال، علماً أنه ليس لدى الحكومة من خيار من أجل زيادة إيرادات الخزينة، إلاّ من خلال عودة الموظفين عن الإضراب خصوصاً في المؤسسات المنتجة. وبالتالي، فإن التأكيد من قبل المعنيين أن هذه الزيادات هي أقصى ما يمكن تقديمه سواء بالنسبة للقطاع العام أو للقطاع الخاص، يرسم مشهداً غامضاً ومحتقناً في الشارع ويُنبىء بتفاعل الملفين السياسي كما المالي والاقتصادي والاجتماعي في الأيام المقبلة، وخصوصاً أن الأوساط السياسية المواكبة، لا تخفي وجود انطباع لدى موظفي القطاع الرسمي، بأن الحكومة تعمل على الضغط على الموظفين في بعض المؤسسات تمهيداً للخصخصة وتخفيض حجم وكلفة رواتب القطاع العام، والذي يشكل عائقاً بحسب وضعه الحالي، في تأمين ظروف الالتزام بشروط صندوق النقد الدولي لجهة الإصلاح الإداري.
وفي هذا السياق، تتضارب المعلومات، كما تقول الأوساط نفسها، حول الخطوة الحكومية المقبلة، في ضوء سباقٍ بين التقديمات المالية والتحركات في الشارع، وخصوصاً أن كل المؤشرات والمواقف تشير إلى أن ما ينتظر الساحة الداخلية من حراكٍ إعتراضي للموظفين، لن يقتصر فقط على موظفي الإدارة العامة، بل سيشمل العسكريين المتقاعدين الذين ينسقون مع رابطة موظفي القطاع العام، من أجل المشاركة في أي تحركٍ في الشارع قريباً.