Site icon IMLebanon

ارتفاع الإقبال خطوة أولى على طريق تعزيز المدرسة الرسمية

 

الروضات في التعليم الرسمي: الانتعاش مؤقت؟

 

بدءاً من عام 2013، شهدت مرحلة الروضات في التعليم الرسمي إقبالاً غير مسبوق بعدم كان غيابها سبباً أساسياً في إعراض اللبنانيين عن المدرسة الرسمية. تطوير المناهج وإدخال طرائق تعليم جديدة وتجهيز المدارس باللوجستيات الحديثة كلها لعبت دوراً في نجاح «التجربة» التي تشكّل خطوة أولى على طريق تعزيز التعليم الرسمي، رغم أن هناك من يصف هذا النجاح بالـ«مؤقت»، ويربطه باقبال الطلاب السوريين لا اللبنانيين

 

لم تنشأ الروضات في المدارس الرسمية إلاّ حديثاً. غياب هذه المرحلة التأسيسية لشخصية التلميذ وتكوين هويته الذاتية والاجتماعية كان، تاريخياً، أحد أسباب الإعراض عن هذه المدارس. منذ عام 2013، مع تجهيز نحو 300 روضة من أصل 990 مدرسة في مختلف المناطق بقرض موّله البنك الدولي، شهدت روضات المدارس الرسمية «نهضة» تحتاج «حتماً إلى استكمال وتعميم»، كما يقول رئيس دائرة التعليم الرسمي في وزارة التربية هادي زلزلي. بدأت هذه «النهضة» مع المراسيم المتلاحقة عامي 2012 و2014 التي حددت السنوات الدراسية لمرحلة الروضات بـ3 سنوات بدل سنتين، وسنّ الدخول بـ 3 سنوات (حتى 31 كانون الثاني) بدل 4 سنوات. قبل ذلك، وعلى عكس التعليم الخاص، كان الطفل يدخل التعليم الرسمي في سن الرابعة (حتى آخر حزيران)، ويتابع سنتين دراسيتين، باعتبار أن السنة الأولى سنة حضانة وغير نظامية.

 

 

مناهج مطّورة للروضات

ترافق ذلك مع إعادة المركز التربوي النظر في مناهج مرحلة الروضة ضمن ما سمي بـ «المناهج المطوّرة للروضات» التي بدأ تطبيقها عام 2013. هذه المناهج تركز، بحسب رئيسة المركز ندى عويجان، على استعمال المعرفة التي يكتسبها التلميذ في المدرسة في مواقف من الحياة اليومية، وترفده بمهارات للانطلاق في مرحلة التعليم الأساسي. وتعتمد على استراتيجية تعلم ثلاثة الأبعاد: ماذا نعلّم؟ كيف نعلّم؟ لماذا نعلّم؟ وهذه المناهج أحدثت، بحسب مديرة روضة عمر الأنسي الرسمية، مرفت شميطلي، قفزة نوعية. إذ سلّحت المعلمات بأدوات توجيهية وبطاقات لقياس أداء الأطفال، ولم تعد الروضة مرتبطة بمهارات المعلمة فحسب، أي حين تكون هذه المعلمة مبدعة تكون الروضة مميزة، وحين تكون ضعيفة تكون الروضة كذلك.

 

التربية باللعب

عام 2015، استفادت الدولة اللبنانية من مشروع الإنماء التربوي 1 و2 المموّل بقرض من البنك الدولي، في ترميم الروضات. شمل ذلك إنشاء ملاعب خاصة بالأطفال ومرافق صحية ملائمة وغرف مستقلة لتنفيذ الأنشطة المشتركة، إضافة إلى تجهيز الصفوف بالطاولات وكراسي وكل ما يحتاجه الطفل. أما العلامة الفارقة في المشروع فكانت تزويد هذه المدارس بألعاب ووسائل تربوية ذات مواصفات عالمية لناحية الجودة والسهولة ومتانة الاستعمال والتنظيف، وهي كلفت مئات آلاف الدولارات، ولم يكن ما يماثلها في المكتبات اللبنانية أو في المدارس الخاصة.

لا تخفي مسؤولة قسم الروضة في مديرية الإرشاد والتوجيه، سحر الأسمر، الاعتراضات التي واجهت التجربة في بداياتها، لا سيما من بعض مديري المدارس. من أبرز الأسئلة التي كان يطرحها هؤلاء: «شو شغلتنا نلعّبهم أو نعلّمهم، أهلهم باعتينهم ليتعلموا الحرف ويكتبوا».

 

يخشى تربويون من أن يكون الاقبال على الروضات الرسمية مرتبطاً بالنزوح السوري

لكن مع المتابعة، تحسنت، بحسب الأسمر، البيئة الاجتماعية والصحية للأطفال، وازداد اهتمام المديرين ووعيهم لهذه المرحلة الحساسة التي لن تتكرر في رحلة التعليم النظامي والتي يفترض أن تكون المكان الحاضن لاطلاق الصغار في المراحل التعليمية الأخرى. تقول الأسمر: «في ذهن البعض، التعليم هو ورقة وقلم، فيما مهمتنا هي تحفيز الأطفال على الاكتشاف وإعدادهم للحياة. فعندما يلعبون يتحركون ويخططون ويتصرفون ويقلدون الأدوار ويمثلون، ويطورون خيالهم، ويحاكون الآخرين، ويلتزمون بالتعليمات، ويختبرون الحياة الواقعية، والأهم أنهم يتعلمون بلا خوف من النتائج».

 

البنك الدولي يقيس النتائج

مواكبة لهذا العمل، كان البنك الدولي يقوم، عبر خبرائه، بقياس الجودة التعليمية في هذه المدارس. وقد اختار عينة عشوائية من كل المناطق اللبنانية (68 مدرسة، من ضمنها مدارس لم تحصل على تجهيزات من أجل المقارنة)، وقد أظهرت النتائج الحاجة إلى استخدام هذه الوسائل بشكل جدي. إثر ذلك، عقدت وحدة الروضات لقاءات تدريبية مع كل معلمات هذه المدارس شرحت خلالها كيفية فرز وتوضيب واستخدام الألعاب التربوية بانتظام. ثم جرت لقاءات مع مديري المدارس عرضت خلالها وثائق الروضات لشرح آلية العمل وفق مقياس الجودة التعلمية. بعد ذلك، أعد البنك الدولي تقريره للعام الدراسي الماضي 2017 – 2018 لتأتي النتائج إيجابية ومتقدمة في معظم المدارس، موضوع القياس. أما التحدي الكبير فهو عدم فرملة العمل واستكماله في العام الدراسي الحالي ليشمل عدداً مضاعفاً من المدارس بغية الحفاظ على النتائج الإيجابية المحققة، مع التطلع إلى إحراز نتائج مماثلة في المدارس المنوي متابعتها، على أن يتبين ما إذا كانت هذه المدارس المجهزة قد أصبح لديها عدد أكثر من الأطفال مقارنة مع غيرها.

 

الأعداد في ازدياد

هل أدى هذا المشروع فعلاً إلى ازدياد الإقبال على الروضات في التعليم الرسمي؟

بعد الاطلاع على الأرقام الإحصائية الصادرة عن المركز التربوي للبحوث، يتبيّن أن نسبة تلامذة الروضة في القطاع الرسمي ازدادت في مقابل نسبة تلامذة القطاع العام ككل. ففي عام 2014 كان العدد 47 ألفاً و755 تلميذاً من أصل 310 آلاف و140 تلميذاً (15.40%)، وارتفع في عام 2017 الى 60 ألفاً و374 تلميذاً من أصل 327 ألفاً و951 تلميذاً (18٫41%). ومع أن هناك تربويين متابعين لأحوال التعليم الرسمي يشيرون إلى أنّ هذه المرحلة قابلة للإقفال بالكامل في ما لو غادرها التلامذة السوريون، تؤكّد شميطلي أن الإقبال على روضتها من التلامذة اللبنانيين أساساً، وأن عدد التلامذة السوريين انخفض من 100 تلميذ إلى 40 هذا العام.

 

منع التشعيب «يقتل» المشروع

من العوائق الأساسية التي واجهت المشروع قرار وزارة التربية هذا العام بعدم تشعيب الصفوف، ما أدى الى اكتظاظ يؤثر على طرائق تعليم أطفال هذه المرحلة. فقد وصل عدد التلاميذ في بعض القاعات إلى 40 تلميذاً، فيما ينبغي أن يتراوح العدد بين 15 و30 كحد أقصى.

وكون الروضات مرحلة قائمة بذاتها لها خصائصها ومناهجها وطرائقها المميزة، فهذا يستلزم، بحسب الأسمر، جهازاً بشرياً متخصصاً ينظر إلى جميع الأطفال على أنهم قابلون للتعلم، وبالتالي يعاملهم بالتساوي ويحترم الفروق الفردية بينهم. إلاّ أنّ الوزارة لم تلحظ أي ترتيب لتوظيف حملة اختصاص رياض الأطفال أو الطفولة المبكرة، لا سيما من متخرجي كلية التربية في الجامعة اللبنانية لتعزيز هذه المرحلة. وفي الواقع، فإنّ 54% من معلمات الروضات مثبّتات في الملاك، وهؤلاء خضعن لدورات إعدادية امتدت لسنتين في دور المعلمين والمعلمات أو في كلية التربية (لحملة الإجازات) شملت كل ما يختص بتعليم الأطفال والتعامل معهم. أما بقية المعلمات فهن متعاقدات وعلى فترات متلاحقة. كما لا تنجو مرحلة الروضات من المناقلات السياسية للمعلمين التي تستجيب للوثة الميل إلى الاسترخاء وعدم الانتاجية، مروراً بسياسة التعاقد التي خرّبت التعليم الرسمي بمراحله كافة.