ينقل أحدُ نواب «التيار الوطني الحر» كلاماً رئاسياً يجزم أنّ الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء ستنتج قانوناً انتخابياً جديداً.
لم يزد النائب المذكور ما يوضح أكثر، سواءٌ حول المعطيات الرئاسية التي تجزم بولادة القانون في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، أو حول ماهيّة القانون الجديد، وعلى أيّ أساس سيُبنى؛ أكثري بالكامل، نسبي بالكامل، أو مختلط بين هذين النظامين.
الكلام الرئاسي المنقول، يأتي في ظل المناخ السلبي الذي أحاط مشروعَ التأهيل، والذي يبدو أنه دُفن جراء الاعتراضات التي قابلته سواءٌ من وليد جنبلاط أو من «القوات اللبنانية» التي تقدمت بسلة شروط للقبول بهذا التأهيل، أو من قوى أخرى قبلت بهذا المشروع، فقط لأنه طُرح على أنقاض صيغة الوزير جبران باسيل الأخيرة، التي دُفنت هي الأخرى الى جانب الصيَغ السابقة التي تقدم بها رئيس «التيار الوطني الحر».
هنا يصبح السؤال ملحّاً حول الصيغة التي يمكن أن يولدها مجلس الوزراء، إن كُتب لجلسته المقبلة أن تكون القابلة القانونية والسياسية للقانون الجديد؟
حتى الآن، ليس هناك ما يؤشر الى أنّ في أيدي الأطراف السياسية على اختلافها مسودة ما، يمكن أن تكون محلَّ توافق عليها في ما بين السياسيين. إلّا إذا كان رئيس الجمهورية بصدد المبادرة الى طرح صيغة رئاسية تحمل في طياتها «القانون – المخرج».
وهو ما لم تؤكده حتى الآن، لا الجهات المحيطة أو اللصيقة بالرئاسة الأولى، ولا سائر الجهات السياسية التي تنفي علمها بوجود هذه الصيغة، أو بالأحرى وجود توجّه رئاسي لإطلاق مبادرة إنتخابية، ولسان حال البعض من الجهات السياسية يقول: «ربما يفاجئنا الرئيس بطرحٍ إيجابي… ولكن حتى الآن لم نتبلّغ شيئاً، ولم تصلنا ولو إشارات ضعيفة توحي بوجود شيء من هذا القبيل».
عطلة عيد الفصح، كانت عطلة بكل معنى الكلمة في الجانب الحكومي؛ إسترخاء تام، ولا مقاربات ولا حتى اتصالات ولو شكلية حول الشأن الانتخابي. ويبدو أنّ هذا الاسترخاء سيستمر الى نهاية الأسبوع الجاري، ما يعني أنّ احتمال عقد جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع للبحث في الملف الانتخابي ضعيف جداً، خصوصاً أنّ أجواء رئيس الحكومة سعد الحريري، لم تعكس وجود نيّة لعقد مجلس الوزراء.
على أنّ الصورة في عين التينة، عكست دخولاً قوياً متجدّداً على هذا الملف من رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي استغلّ العطلة لإجراء مشاورات «من نقطة الصفر»، لعلّها تفضي الى بلورة صيغة ما، بعد فشل كل الصيَغ المطروحة تقريباً.
التقى المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسن خليل، وكذلك التقى مطوَّلاً بوزير الداخلية نهاد المشنوق، وأيضاً بالنائب جورج عدوان الذي استفاض أمام رئيس المجلس، في عرض الموقف القواتي من الطرح الأخير المتعلّق بالتأهيل، والشروط التي يمكن من خلالها أن تقبل «القوات» بهذا التأهيل.
وهي شروط بدت قاسية، إن لم تكن تعجيزيّة لحاملي لواء التأهيل. وكذلك التقى برّي النائب غازي العريضي. والعرض طبعاً دار حول اللاءات الجنبلاطية لما يسميها رئيسُ التقدمي المشاريع الفوقية والإلغائية والمخالِفة للدستور. وكذلك حول الهواجس الجنبلاطية التي تتفاقم ليس حول الشأن الانتخابي النيابي الراهن، بل حول الاستحقاق البلدي المقبل، الذي يقترب شيئاً فشيئاً فيما الجبل يغلي منذ الآن.
طار التأهيل، وحطّ مجدّداً مشروعان: المختلط المقدَّم من برّي على قاعدة 64/64 مع أنّ بري لم يعد متمسّكاً به، وكذلك مشروع الرئيس نجيب ميقاتي مع تعديل في التقسيمات. ولكن هذا لا يعني أنّ حظوظ السَير بأيّ منهما كبيرة، نظراً للفوارق الحادة بين القوى السياسية حول كل الصيَغ الانتخابية التي طُرحت، ومن ضمنها المشروعان المذكوران، أو المشاريع التي ستُطرح لاحقاً، في ظل العقلية والذهنية التي تحكم أداء بعض القوى السياسية التي اعتمدت طيلة الفترة الماضية، وما زالت تعتمد مساراً عنوانه: «إما أن تقبلوا بالقانون الذي نطرحه، وإما لا قانون».
هذه الصورة الجامدة عند فشل القوى السياسية المختلفة في ابتداع المخرَج الانتخابي، تشي – إن استمرّ جمودها على ما هي عليه، وهو المرجح حتى الآن
– بإعادة الاصطدام بالحائط المسدود، وهذا معناه وصول البلد إلى اختيار أهون الشرّين: إما قانون الستين وإجراء الانتخابات النيابية على أساسه، وإما التمديد للمجلس على قاعدة البحث عن قانون جديد خلال الفترة التمديدية الجديدة.
صار مسلّماً به لدى المراجع كلها أنّ الفراغ ممنوع، والوصول اليه يعني نقل البلد الى الكارثة. لكنّ المفارقة العجيبة أنّ بعض المحيطين بمراجع معيّنة، ما زالوا يقاربون هذه المسألة الخطيرة، من زاوية مصلحيّة تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الغاية الحقيقية الكامنة خلف تعمّد الهمس في آذان بعض المراجع بما يسمونها «اجتهادات دستورية».
فيما هي لا تتفق مع الدستور لا في الشكل ولا في المضمون، كمثل القول بوجود آلية دستورية ترعى فترة الفراغ المجلسي وتُلزم الحكومة بإجراء انتخابات نيابية خلال ثلاثة أشهر.
وإذا كانت هذه الاجتهادات تلقى قبولاً لدى بعض المراجع، إلّا أنها في المقابل، تستفزّ مراجع أخرى كونها اجتهادات خطيرة تصب الزيت على النار وأقل ما يُقال فيها إنها «اجتهادات تخريبية»، لا بل اجتهادات «شيطانية خبيثة» على حدّ تعبير بري. وأصحاب هذه «الاجتهادات – الافتراءات» يجب أن يتم إخضاعهم للمحاكمة ويُزَجّوا في السجن».
في أيّ حال، عدّاد العطلة المجلسية القسرية يدور، والأيام تتآكل من شهر التعطيل، وأمّا الهمّة السياسية فتبدو معدومة، بل مسترخية الى أقصى درجات البرودة في مقاربة الملف الانتخابي ومحاولة انتشال القانون الجديد من عمق البئر.
هنا، إن ظهرت المعجزة، يولد القانون الجديد قبل انتهاء شهر التعطيل أي قبل 15 أيار المقبل. وبالتالي تصبح الجلسة التشريعية مخصَّصة لإقرار تمديد تقني للمجلس، ولكن إن ثبت أنّ الزمن اللبناني ليس زمنَ المعجزات – وهذا أكيد طبعا – سيأتي مَن يقول:
– كانت هناك فرصة أخيرة لإنتاج قانون خلال شهر التعطيل الرئاسي للمجلس… وفُوِّتت. وبالتالي الكل شركاء في تفويت هذه الفرصة.
– تبعاً لهذه الشراكة، هل يبقى سلاحُ الشارع الذي تمّ التلويح به قبل «جلسة التمديد» المعطلة، ذا فعالية، أو ذا قدرة تعطيلية لما قد يكون.
– لن يدخل لبنان في فراغٍ مجلسي، وبالتالي لن يمرّ تاريخ انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي في 20 حزيران المقبل إلّا ويكون لبنان أمام واحد من الأمور الثلاثة:
أولاً – قانون جديد، والوصول اليه يفترض أولاً مغادرة حال الاسترخاء المريب الذي يضرب معظم الأنحاء السياسية. وإن تمّ الوصول اليه فمعنى ذلك لا بد من تمديد تقني بين ثلاثة الى ستة أشهر.
ثانياً: التمديد للمجلس لمدة سنة وفق اقتراح النائب نقولا فتوش مهما كانت الموانع والاعتبارات. باعتباره السبيل المتوفّر لدرء خطر الفراغ.
ثالثاً: قانون الستين، وهذا يعني ضمناً انتخابات نيابية في موعد قريب. وثمّة حديث أنه إن تمّ الذهاب الى خيار الستين، فهناك احتمال قوي بأن تتحوّل جلسةُ التمديد المقبلة، الى جلسة تمديد تقني من ثلاثة الى ستة أشهر، لإجراء الانتخابات وفق القانون النافذ، وهذا التوجّه يبدو قد تعزّز بارتفاع أصوات وازنة سياسية، وروحية وفي مقدمها البطريرك الماروني الذي قال صراحة في ظل تعذّر الوصول الى قانون جديد – فلا يجوز الوقوع في الفراغ، وما بين الفراغ والستين نختار الستين.
ولكن ماذا عن الموقف الرئاسي؟
حتى الآن، ما زالت الصورةُ الرئاسية تعكس وجودَ عائق رئاسي أمام الستين ورفضاً لفرض أمر واقع يخيّر ما بين الفراغ والتمديد. ولكن بالعودة الى اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون ووفد «حزب الله» برئاسة الشيخ نعيم قاسم، فقد أبلغ الرئيس الوفد صراحة بإمكان إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين بعد 20 حزيران إذا ما تعذّر الوصول الى قانون جديد.