دياب يتأقلم مع الواقعية.. وتباطؤ خيار التغيير الحكومي لا ينفي احتمال حصوله
قد يكون الحائل الوحيد دون إستقالة الحكومة أو إسقاطها، تعذّر الاتفاق على حكومة بديلة، برئيسها قبل تقسيماتها. ذلك أن التجربة الى الآن خلّفت نتوءا وأعوجاجا، وأحيانا نفورا مع رعاتها، مع شذوذ وحيد جاء نتاج جلسة التعيينات المالية التي مرّت بتفاهم الحد الأدنى بين المكونات الحكومية، بعدما سبق أن تعثرت تلك التعيينات (بالأسماء نفسها التي عُينت قبل يومين ما خلا تعديلات طفيفة) قبل نحو شهر نتيجة طلب رئيس الحكومة حسان دياب سحبها من التداول، وإعلانه أنها لا تتوافق مع تصوره للتغيير المالي.
لا شك أن شخصية رئيس الحكومة والآليات التي يعتمدها في عمله اليومي، كما في مقاربته الملفات الهامة والشائكة، شكّلت في كثير من الأحيان عنصر إصطدام مع الرعاة، وأحيانا كثيرة سببا للنفور ولإعادة تقويم التجربة والعلاقة. ويبدو أن الرجل يتدرّج في الحكم، بما يجعله أكثر واقعية في التعاطي مع آلياته، تماما كما مع الأفرقاء السياسيين، وخصوصا أولئك الذين ولّوه وسهلوا طريقه الى السرايا الكبيرة. وهذه الواقعية بالذات، وربما وحدها من دون غيرها من العوامل والمسببات، كفيلة بتمديد إقامته الحكومية.
1- المهم أن قطوع الدولار مرّ – مبدئياً لا قطعياً – من دون أن تقدّم الحكومة نفسها أو تقع على مذبح الأضحية. لكن هذا لا يعني أن إحتمالات التغيير، وربما العودة الى القديم، منتفية. ذلك أن دينامية البحث عن التجديد بالتوازي مع التنقيب في التغيير الحكومي، قائمة بنشاط لافت، محليا وخارجيا. ويبقى سعد الحريري من المرشحين المحتملين، وإن كانت عودته تنتابها تحديات وعقبات كثيرة، في مقدمها قدرته، وربما قابليته، على إعادة ربط ما إنقطع مع العهد وذراعه السياسية. ولا تغيب في هذا السياق العبارة التي إستخدمها جبران باسيل في 14 شباط الفائت ردا على ما رماه به الحريري في ذلك اليوم: «بتفرقنا بعض القيم والمبادئ، بس رح يرجع يجمعنا التفاهم الوطني… رحت بعيد بس رح ترجع، الفرق انو طريق الرجعة رح تكون أطول وأصعب عليك».
آلان بيفاني حاضر متى حانت اللحظة وبالتوازي مع تأمين غطاء أميركي – دولي
كما لا يسقط من البال، بل يُفترض أن الحريري على إدراك تام بأن إحياء الحلف الرباعي مع حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي، لا يغنيه عن حقيقة ضرورة إعادة ترميم التفاهم الرئاسي، وربما التأسيس لتفاهم جديد مع العهد والتيار الوطني الحر. وتاليا، بعدما تقطّعت الأوصال مع التيار أولا ثم مع القوات اللبنانية، الفريقين الأكثر تمثيلا على المستوى الماروني – المسيحي، تبقى بعبدا ممرا إلزاميا الى رئاسة الحكومة، في حال رغب الحريري بذلك. ولا يُغنيه لا وده مع حزب الكتائب ولا صداقته مع تيار المردة، ولا أي من القوى المسيحية المحدودة الحضور والفاعلية والتأثير.
لكن لا يعني أن انحسار خيار الحريري سيؤدي الى مسار حكومي دراماتيكي، كما تردد في الأيام الأخيرة (حكومة عسكرية). وتاليا، تبقى حكومة دياب، القائمة لا المصرّفة للأعمال، الخيار الأقل ضررا في الوقت الراهن، بالنظر الى ما شاب فترات تصريف الأعمال زمن حكومات الأعوام الفائتة من معوقات وتجاوزات وشلل خطر، لن يكون للبنان القدرة على إحتماله في الظرف الحالي.
2- كذلك مرّ رياض سلامة من خرم إبرة التأديب (الإقالة وخلافها) بالحد الأدنى من الضرر، على الأقل في الوقت الراهن. وبالتأكيد ستكون إجراءاته لضبط الدولار عبر الضخ والحد من تفشي السوق السوداء، اختبارا جذريا له هذه المرة، تأسيسا على أبرز مهامه في الحاكمية، وهي علّة وجوده وإستمراره في موقعه، والمتمثلة في الحفاظ على سلامة النقد. كل ذلك لا ينفي أن ألان بيفاني حاضر متى حلّت اللحظة. وهي بالتأكيد لن تحل من دون إبرام تفاهم عام وطني على قرار التغيير الجذري في الحاكمية (تحول دونه حتى اللحظة قوى التقليد وأمراء الحرب الغابرة، المستفيدون الأولون من النظام المالي النفعي الذي رعاه الرجل)، بالتوازي مع تأمين غطاء أميركي – دولي لأي خيار تغييري.