أرسى الإتفاق التاريخي لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، أي عودة العلاقات الى طبيعتها بين الطائفتين السنيّة والشيعية في دول المنطقة والعالم، أجواء تفاؤلية على الساحة اللبنانية، وإن مع بعض الترقّب والحذر لكيفية انعكاسها على ملفات المنطقة، لا سيما ملف لبنان وسوريا واليمن. والظاهر أنّ “الثنائي الشيعي” كانا على عِلم بقرب حصول التسوية بين المحورين المتصارعين منذ عقود، فيما بدت المعارضة في لبنان بعيدة كلّ البعد عن هذه الأجواء رغم قربها من السعودية، على ما يُفترض، إذ كانت تُصعّد في الأيام التي سبقت إعلان البيان السعودي- الإيراني المشترك برعاية الصين، فيما تزامن إعلان التسوية مع تبنّي “الثنائي الشيعي” ترشيح رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجية.
ويبدو أنّ الإجتماع الخماسي الذي عُقد في باريس في 6 شباط الماضي، قد أعطى ثماره، على ما أكّدت مصادر سياسية مطّلعة، سيما وأنّ كلاً من قطر ومصر قد تشاورتا مع إيران فيما جرى مناقشته على الطاولة، رغم عدم حضورها أو تمثيلها في هذا الإجتماع.. وترافق هذا الأمر مع الإجتماعات التي عُقدت في العراق وفي سلطنة عُمان في مسقط، فضلاً عن المحادثات الأخيرة التي جرت في الفترة الممتدة من 6 الى 10 آذار الجاري في بكين برعاية صينية بهدف تطوير علاقات حسن الجوار بين السعودية وإيران، وإعادة العلاقات الديبلوماسية الى طبيعتها من خلال إعادة فتح سفارتي البلدين ووكالاتهما في غضون شهرين. فالصين باتت تلعب دوراً عالمياً في حلّ الأزمات، وتطرح اليوم مبادرة لحلّ الأزمة الروسية- الأوكرانية، وقد نجحت في محاولتها الأخيرة في الإتفاق التاريخي الذي أعلن عنه الجمعة الفائت بين السعودية وإيران.
ومن الواضح، على ما أضافت المصادر، أنّ “الثنائي الشيعي” سجّل ضربة في مرمى المعارضة، كون كان على عِلم بقرب حصول التسوية الإقليمية، في الوقت الذي كانت فيه المعارضة ماضية في التصعيد. فبعد أن كان رئيس “القوّات اللبنانية” سمير جعجع يتحدّث في وقت سابق عن أنّه لن يُعطّل النصاب في جلسة الإنتخاب، أعلن أخيراً أنّه سيلجأ الى هذا الحقّ الديموقراطي لمنع وصول مرشّح 8 آذار أي فرنجية، وجاراه في هذا الموقف كلّاً من رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” سامي الجميّل، والنائب اللواء اشرف ريفي.
وبناء عليه ينتظر ما سيكون عليه موقف المعارضة، على ما أضافت المصادر نفسها، بعد التقارب السعودي- الإيراني الذي اُعلن يوم الجمعة الفائت، فهل سيحمل نوعاً من التراجع في الخطاب الأخير؟ وهل ستُوافق المعارضة على الذهاب الى الحوار الذي سبق وأن دعا اليه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي من جهة ورفضته “القوات اللبنانية”، والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من جهة ثانية، ولم تُبدِ الرغبة بتلبيتها؟ علماً بأنّ “التيار الوطني الحرّ” الحليف لفريق 8 آذار، كان رفض دعوة برّي الى الحوار، فيما دعم وشجّع وبدا متحمّساً لدعوة البطريرك الراعي، وكان جاهزاً لتلبيتها. فإذا تمّت موافقة المعارضة على التحاور، فسنذهب الى تسوية معيّنة، تقول المصادر، حول سلّة متكاملة تشمل إسمي رئيسي الجمهورية والحكومة، وشكل الحكومة الجديدة، وخارطة الطريق التي ستعتمدها خلال المرحلة المقبلة، أي حول مشروع التسوية بالكامل، الذي سبق وأن عرضه برّي لإخراج الإستحقاق الرئاسي ضمن رؤية وطنية شاملة لإنقاذ البلد، ورفضه كلّاً من “التيّار” و”القوّات”.
وصحيح بأنّ التسوية الإقليمية كانت متوقّعة، غير أنّ توقيتها اتى مفاجئاً، على ما أشارت المصادر، ولهذا توقّعت حصول نوع من المراوحة لكي نستطيع القول بأنّ شيئاً ما قد تحرّك على صعيد الإستحقاق اللبناني. فلا بدّ من انتظار اجتماع وزيري خارجية السعودي وإيران المرتقب، لكي يُبنى على الشيء مقتضاه. غير أنّ هذا لا يعني بأنّ “ما بعد الإتفاق التاريخي بين السعودية وإيران” سيكون كما قبله، على العكس تماماً. فما بعد هذا الإتفاق سينعكس بشكل إيجابي على لبنان، وإن كان الوقت سيُظهّر المشهد بشكل أكثر وضوحاً خلال الأسابيع المقبلة.
وماذا عن تقدّم حظوظ فرنجية للرئاسة، فضلاً عن حظوظ عودة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الى السراي، بعد الإتفاق التاريخي الأخير، تُجيب المصادر بأنّ عودة الحريري ترتبط بقراره الشخصي، وكان عبّر عن موقفه خلال الإنتخابات النيابية الماضية التي ترافقت مع تعليق عمله السياسي قبلها وخلالها وبعدها. كما ظهر موقفه في 14 شباط الفائت خلال عودته الى لبنان بمناسبة ذكرى استشهاد والده رفي الحريري، وبدا مرتاحاً. ولكن مع تبدّل الظروف الخارجية، فإنّ الأوراق ستُخلط مُجدّداً على صعيد الإستحقاق الرئاسي وتشكيل الحكومة من أجل التوصّل الى “اتفاق لبناني- لبناني”.
وفيما يتعلّق بحظوظ فرنجية، فتجد المصادر أنّها تقدّمت كثيراً على حظوظ قائد الجيش جوزاف عون، التي كانت متقدّمة جدّاً قبل التقارب السعودي- الإيراني الأخير، غير أنّه يبقى لاعباً أساسياً على الساحة اللبنانية. والسؤال المطروح اليوم: هل ستذهب الأحزاب السياسية والكتل النيابية الى الإتفاق على سلّة متكاملة توصل فرنجية الى قصر بعبدا، وتعيد الحريري الى لبنان والى السراي الحكومي؟ ويجري التوافق على الخطة الإقتصادية المقبلة، وعلى توقيع الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، ما من شأنه إعادة الإتفاقيات والإستثمارات العربية والدولية الى لبنان؟!
وتقول المصادر بأنّه بعد أن ارتفعت أخيراً الأصوات المنادية بالتقسيم والفديرالية والكونفيديرالية، والعودة الى الحديث عن العدّ، وعن أن نسبة المسيحيين قد تضاءلت كثيراً في لبنان، ما وضع “اتفاق الطائف” في خطر، يبدو أنّ الإرادات الداخلية والخارجية قد تلاقت لعدم نسف هذا الإتفاق. فالسعودية يهمّها تحقيق الإنتصار في اليمن، وحلّ الأزمة في لبنان والمحافظة على “اتفاق الطائف”، ولهذا فلن تُمانع انتخاب مرشّح فريق 8 آذار أي فرنجية ووصوله الى سدّة الرئاسة، سيما وأنّ العلاقة بين عائلته والسعودية قائمة منذ زمن، مقابل عودة مرشّح 14 آذار أي الحريري الى السراي الحكومي، كونه أكثر شخص سنّي تثق به حسبما أظهرت التجارب السابقة، ولما أظهره من حسن نيّة بعدم التمسّك بمنصبه. وبالطبع سيقف رئيس الحزب “التقدّمي الإشتراك”ي وليد جنبلاط الى جانب حليفه برّي في هذه التسوية، يبقى معرفة موقف نوّاب المعارضة المسيحية، فضلاً عن موقف رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، وإذا ما كانوا جميعاً يُوافقون على مثل هذه التسوية التي تصبّ في مصلحة لبنان بالدرجة الأولى وإعادة تحسين وضعه الإقتصادي والمالي والمعيشي المنهار.
ومن هنا، تقول المصادربأنّ برّي قد يدعو الى جلسة انتخاب تحضيرية قد تكون ما قبل الأخيرة لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، لإجراء نوع من “البوانتاج”، لا سيما مع ترشيح فرنجية. وبعدها لن يدعو الى أي جلسة أخرى قبل وضوح المشهد الإقليمي وانعكاسه على المشهد الداخلي، على أمل أن يكون إيجابياً. فالتسوية الكبرى التي بدأت بين السعودية وإيران برعاية صينية، وبموافقة روسية ضمناً، لا بدّ وأن تأتي بفرنجية رئيساً وبالحريري رئيساً للحكومة الجديدة، ويترافق ذلك مع دعم عربي وإقليمي ودولي، ومؤتمرات وقروض وعودة الأموال العربية والإستثمارات الخليجية الى لبنان.