لم تحمل عطلة عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي أيّ بوادر حلحلة للملفّ الرئاسي، فانطلاق قطار الحلّ الإقليمي لم يترافق مع تقارب داخلي يسمح بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
حافظ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على سقف خطاب مرتفع النبرة تجاه المعطّلين، و»لطش» محور الممانعة ومن يدور في فلكه من مرشّحين موارنة ونوّاب معطّلين، في وقت تُصرّ أغلبية النواب المسيحيين على أنّ العقدة هي وطنية وليست مسيحية.
وفي هذه الأثناء، تُكثّف الدول الفاعلة في الملفّ اللبناني نشاطاتها واتصالاتها، وسيكون هناك إجتماع قريب لمجموعة الدول الخمس التي اجتمعت في باريس الشهر الماضي ويضمّ كلّاً من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر وفرنسا.
ووفق المعلومات، ستكون على جدول أعمال اللقاء المرتقب بنود عدّة على رأسها مسألة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية إضافةً إلى بحث وضع لبنان بشكل عام وطريقة الخروج من المأزق ووقف مسلسل الإنهيار.
وتعتبر هذه الدول أنّ باب الخروج من الإنهيار يتمثّل بانتخاب رئيس جمهورية جديد بأسرع وقت ممكن وعدم تضييع فرصة الإنقاذ، علماً أنّ لكل دولة نظرتها لطريقة الخروج من المأزق الرئاسي.
وفي جولة على مواقف الدول المشاركة في الإجتماع، فقد ظهرت محاولة لباريس في الإجتماع الأخير لإقناع بقية الدول وعلى رأسها السعودية بضرورة إبرام تسوية وانتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، ولا يزال هناك جناح كبير داخل الإدارة الفرنسية داعم لفرنجية لأسباب باتت معروفة، لذلك قد تنقلب المعادلة في الإجتماع المقبل حيث ستبلغ بقية الدول فرنسا بعدم صوابية طرحها واستحالة تطبيقه.
أمّا السعودية، فستحضر اللقاء وفق رؤية واضحة، وتتمثّل بضرورة إعادة لبنان إلى الحضن العربي ودعمه في مسيرة الإنقاذ، وهذا الأمر يتطلّب إنتخاب رئيس سيادي وإصلاحي يسير وفق خطة إقتصادية واضحة، من هنا، فجوابها النهائي لفرنسا هو عدم قبولها بفرنجية أو أي مرشّح محسوب على «حزب الله»، وستحاول نقل البحث إلى مكان آخر، وهو التفتيش عن مرشّح يتمتّع بالصفات الضرورية لتأمين الضمانة السياسية أولاً والإقتصادية والمالية والأمنية ثانياً وغير منغمس بالفساد، وبات الخيار السعودي محصوراً بين مرشّحين.
ولا تعتبر قطر بعيدة عن الموقف السعودي، وقد أتى تحرّكها الأخير في لبنان بتنسيق تام مع الرياض، وبالتالي لا تتوافق نظرتها مع فرنسا، بل مع السعودية، ولديها مرشّح معروف تعتبر أنّه يأتي ضمن سياق المرشح الإصلاحي والذي يؤمّن ضمانات للمحور العربي، لكن من المقرّر إنطلاق جولة قطرية من المشاورات بمباركة سعودية وعدم ممانعة مصرية وأميركية من أجل تحقيق الأهداف المنشودة وانتخاب رئيس للجمهورية.
من جهتها، لا تضع مصر «فيتو» على أي اسم، ويصبّ موقفها ضمن إطار الإجماع العربي، وتعتبر أنّ إعادة الثقة العربية بلبنان تمرّ عبر تصحيح العلاقات اللبنانية- العربية وإخراج البلد من المحور الإيراني، ويأتي الموقف المصري ضمن سياق الموقف العربي. وإن كانت مصر تميل إلى مرشّح معين، إلا أنّها لا تعتبر هذا الموضوع عقدة لأنّ المهم هو الإتفاق على إخراج لبنان من أزمته.
لا شكّ أنّ كلمة الفصل الأساسية في لبنان تعود إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهي غير راضية على الأداء الفرنسي والسير بمرشّح محسوب على «حزب الله»، وتدعم واشنطن موقف الرياض في هذا الإطار، وتعتبر إعادة وضع لبنان تحت النفوذ الإيراني يخدم مصالح طهران ويضرّ بمصلحة لبنان والمصلحة العربية، من هنا، قد تحسم واشنطن المسألة وتنهي المغامرة الفرنسية، وستكون داعمة موقف الرياض.
عندما تتكلّم واشنطن وتصوغ أي تسوية، يعني ذلك أنّ أبواب الحلّ فُتحت على مصراعيها، لذلك فالإجتماع الخماسي سيشكّل بوابة لبحث جدّي في الأزمة الرئاسية واللبنانية، وسط إجماع عربي وأميركي على عدم تسليم لبنان لأي دولة، بل إعادته إلى موقعه الطبيعي.