IMLebanon

رحلة الإنقضاض على الطائف… والرقص على حافة الهاوية

 

الجمهورية التي ألِف المواطنون تقاعسها عن واجباتها في الكهرباء والمياه والنفايات والنقل المشترك تستعد اليوم للدخول في إجازة، ليس بسبب تعثّر تأليف الحكومة أو بسبب ذهاب كلّ من الرئيسين بري والحريري في إجازة عائلية، الإجازة مفتوحة حتى الى ما بعد عودتهما وربما الى ما بعد تشكيل الحكومة.

أجل جمهورية الطائف يتم تعليق العمل بها تدريجياً. هي التي تعرّض دستورها لشتى أنواع الاستباحة أثناء الوصاية السورية، ولم يتح لها أن تتنفس الصعداء بعد خروج الجيش السوري، واهتزت أركانها بعد مؤتمر الدوحة لما أدخله عليها من أعراف ليس أقلّها تكريس نموذج حكومات «مجلس النواب المصغّر»، أو «حكومات الوحدة الوطنية»، و«الثلث المعطّل» و«حصة الرئيس».

جمهورية الطائف، تتعرّض اليوم لتحدٍّ وجودي حقيقي قد يضع دستورها خارج الخدمة. الدستور الذي أقرّه مجلس النواب بضمانات دولية وإقليمية، والذي لم تتوافر شروط تعديله أو إلغائه حتى الآن، يتم إثقاله محليّاً وبشكل تدريجي بمجموعة من الأعراف تفرغه من مضمونه ليأتي إلغاؤه انسيابياً في لحظة إقليمية مناسبة.

إنّ ما سُميّ بِعِقد تشكيل الحكومة التي أُلصقت بالطوائف تارةً وبالاحزاب تارةً أخرى، وبروز جهازٍ خفي يقيّم أداء كلٍّ منها وما تستحقه من حقائب سيادية وخدماتية، بالإضافة الى تعميم مقولة أربعة نواب مقابل كلّ مقعد وزاري، وتكريس عرف التشاور بين الرئيس المكلّف ووزير الخارجية الذي بدا وكأنه يحمل صفة رئاسية من خارج الدستور، وانتهاءً بالبيان الرئاسي حول صلاحيات رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة، تعبّر جميعها عن رغبة حقيقية في ممارسة إكراه جماعي للانتظام في ظلّ سلطة قائمة تحتكر كلّ مفاصل الدولة من غير أن يرافق ذلك أي تغيير في الدستور.

البيان الرئاسي الذي شكّل إضافة دستورية سلبية في بازار تنازع الصلاحيات استدعى اجتماعاً لرؤساء الحكومات السابقين في بيت الوسط، ونقل الجدل من دائرة تطويق رئيس الحكومة المكلّف وإضعاف دوره، تمهيداً لإخراجه، ليطلق صفارة إنذار حول الخطر المُحدق بالنظام السياسي برمّته.

لقد فات معدّي البيان الرئاسي أنّ ما أتى عليه من حق لرئيس الجمهورية في أن يختار نائب رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء، يتابع من خلالهم عمل مجلس الوزراء والأداء الحكومي بشكل عام، أنّ رئيس الجمهورية وبموجب الفصل الرابع من الدستور هو جزء من السلطة الإجرائية وهو يرأسها حين يحضر اجتماعاتها، وإنّ تقييم الأداء الحكومي هو من صلاحيات المجلس النيابي بموجب المادة 66 من الدستور (يتحمّل الوزراء إجمالياً تجاه المجلس النيابي تَبِعة سياسة الحكومة ويتحملون إفرادياً تبعات أفعالهم الشخصية) والمادتين 68 و 69 (طرح الثقة بالحكومة أو بالوزير ووجوب إستقالتهما عند نزع الثقة) والمادة 70 (لمجلس النواب أن يتهم مجلس الوزراء والوزراء بالخيانة العظمى أو بالإخلال بالواجبات بأكثرية الثلثين).

لا يخفى على أحد أن تعطيل انتخابات الرئاسة لأكثر من سنتين تسببت به هيّمنة غير دستورية مقنّعة بأوليغارشية مجلسيّة مخالفة للدستور، وأنّ قانون الانتخابات المذهبي الذي أُسقِط على القوى السياسية لا يتّفق مع الدستور الذي يتطلع الى إلغاء الطائفية السياسية، ليكتمل عقد التجاوزات الدستورية بفصل تشكيل الحكومة، ولتصبح الجمهورية في وادٍ والدستور في وادٍ آخر.

إنّ تحيّن الفرص للانقضاض على الطائف عبر محاولة نقل ميزان القوى من درعا الى لبنان، واللعب عند حدود النزاعات الكبرى، وربما تفعيل مجموعة الـ74 نائباً الذين أعلن عنهم قاسم سليماني لإخراج الرئيس الحريري أو لاستعادة نموذج رؤساء حكومات ما قبل الطائف، هو إمعان في الرقص على حافة الهاوية، وعودة بالصراع السياسي الى المربع الأول وربما دعوة مفتوحة لاستدعاء ميزان القوى في «الحُدَيّدة»، بما لا يضمن العودة الى دستور 1943 بل الى زمن المفوّض السامي.