IMLebanon

في القراءات الغلط

 

علي نون

جيّد أن تجري العملية الانتخابية بنجاح برغم الطقوس السلبية المألوفة التي رافقتها.. وجيّد أكثر من حيث المبدأ، أن يحتكم اللبنانيون إلى أسس النظام الموضوع على قياسات واقعهم المتنوّع، وميزانهم الرقيق والدقيق، وأن يكون ذلك في كل حال، متناغماً مع موروثاتهم حتى بتناقضاتها. أي أن تكون هذه مشتملة على انفتاح وانغلاق. ورحابة تفكير، وأنانيات. وحرّية وانفلات.. ومَدَيات مفتوحة على البحار والمحيطات من جهة وسردية المغاور والصوّان والمقالع و«الشوارب المعقوفة» من جهة أخرى..

 

لكن جيّد أكثر، لو تبقى الواقعية السياسية أَولَى من الأوهام المنفوخة والكيد الذاهب بعيداً. وأن ينتبه أصحاب الصيحات الانتصارية إلى حقائق راسخة لا يُعدِّل فيها وزن الصواريخ وطوفان الأدلجة وحديد التنظيم المرصوص عسكرة وأمناً وانتماءات عابرة للحدود!

 

الاستعجال في توصيف الخاسرين والرابحين يدلّ على قصور في التفكير سبق وأن كلّف أصحابه الكثير برغم المكابرة المعتادة. وبرغم الانتشاء بالكارثة وافتراضها إنجازاً. وتقديس الفناء واعتباره فتحاً دينياً ربّاني الأبعاد!.. وليس المقصود بذلك قراءة النتائج وأرقامها، بل البناء الغلط على تلك القراءة. ثمَّ قبل ذلك كسرها بما يتناسب والهوى الافترائي والكيدي والمَرَضي..

 

الرئيس سعد الحريري خَسِرَ بعض المقاعد، لكنّه لا يزال رئيساً لثاني أكبر كتلة نيابية! وهو الوحيد في كل حال، الذي يمكن «اتّهامه» بأبوّة التسوية التي أبقت الفرن خامداً. والفتن مأسورة في جحورها.. والانتخابات ممكنة. والوحيد أيضاً الذي يمكن اعتباره «حاجة» لأخصامه ومُريديه على حدٍّ سواء! والوحيد الذي يعني حضوره احتمالات «جيّدة»، وانكفاؤه احتمالات سيّئة.. وأفترض منطقياً، أن أكثر العارفين بهذه الحسبة هم الذين انقلبوا عليه في حكومته الأولى ثمَّ ندِموا. والذين حاولوا تسكير بيته فانكسروا تحت وطأة أبواب الشر والفتن التي لاحت «تباشيرها» أمامهم!

 

لم يتوهّم أحد (مبدئياً!) قدرة أيّ فريق محلّي على نسف التوازنات المابعد سياسية من خلال الانتخابات أو حتى من خلال الميدانيات.. جرّبَ كثيرون ذلك سابقاً ودفعوا أغلى الأثمان. والعودة راهناً إلى غناء ذلك الموّال، فيها اجترار للخطأ لا يليق بالمُشتغلين في الشأن العام، ولا بالمتنطّحين إلى أدوار إقليمية «عظمى»، ولا الساعين صدقاً أو تفنيصاً، إلى حماية الاستقرار العام، والتسوية التي أعادت الانتظام إلى الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية. وخفّفت من حدّة التوترات والاصطفافات. وفتحت المجال أمام عموم اللبنانيين من أجل الالتفات إلى أوضاعهم الاقتصادية والمالية و«النفسية» والعمل على معالجتها بالتي هي أحسن وأسلم وأسلس، وبما يفيد المجموع الوطني برمّته، ويتلاءم مع المصالح العليا للدولة والكيان.

 

الانتخابات انتهت لكن التسوية مستمرة. وهذه من بديهيّاتها وأساسيّاتها التعامل مع الحقائق السياسية والطائفية (والمذهبية) التي كرّستها العملية الانتخابية في كل حال.. إلاّ إذا أراد البعض ارتكاب خطيئة أخرى في حق لبنان واللبنانيين، والعودة إلى الوراء.. وهذه (والله أعلم) لا تبدو في ظواهر الأداء وإن ضَمُرتْ في بعض الصدور!

 

علي نون