يحافظ القطاع العقاري على صموده رغم الإشاعات والتنبؤات بإنهيار الأسعار. ومن المرجّح أن يشهد القطاع نهوضا سريعا يوازي ما شهده في العام 2005 تحت تأثير عوامل عِدّة على رأسها إعادة إعمار سوريا والملف النفطي اللبناني. كما تُظهر التحليلات ضرورة الإستثمار في البنى التحتية لدفع القطاع العقاري إلى مزيد من النمو.
إنتشرت منذ ثلاثة أعوام دراسات تُنّذر بإنهيار الأسعار في القطاع العقاري إلى أكثر من 40% من سعرها الحالي. لكن وعلى الرغم من نشر هذه الدراسات تحافظ الأسعار على مستوياتها لعام 2010 مع إستثناءات طالت بعض البائعين الذين كانوا في حاجة ماسّة إلى السيولة مما إضطرّهم إلى بيع شقق بأسعار أقل من سعر السوق وصلت إحيانًا إلى 15%.
الدراسات التي تنبأت بإنهيار القطاع العقاري إعتمدت بالدرجة الأولى على العلاقة بين أسعار النفط وتحاويل المُغتربين. هذه العلاقة تُشير إلى أن إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية يؤثّر سلبًا على تحاويل المُغتربين اللبنانيين التي تؤثرّ بدورها سلبًا على العمليات العقارية بحكم أن قسما من تحاويل المُغتربين يُستخدم في شراء عقارات.
المُشكلة في المنطق المُتّبع في هذه الدراسات أنه لم يأخذ بالإعتبار عوامل عدّة منها ما هو قديم ومنها ما هو مُستجدّ:
أولًا – تُشكّل قيمة القروض المصرفية إلى القطاع العقاري 17% من قيمة القروض المصرفية إلى القطاع الخاص (أي ما يوازي 10 مليار دولار أميركي). مُعظم هذه القروض قروض إستهلاكية – أي لشراء عقارات، وبالتالي فإن مصرف لبنان يعي خطورة أن يكون هناك فقاعة في القطاع العقاري مما دفع بحاكم مصرف لبنان إلى وضع رزم تحفيزية بشكل مُستمر لدعم شراء العقارات. هذا الدعم أمّن إستمرارية العمليات العقارية وحافظ على مستوى مقبول صحّح من خلاله قسم من الخلّل بين سوقي العرض والطلب.
ثانيًا – السوق العقاري سوق مُنحاز (biased market) أي أن الأسعار لا تعكس بالضرورة العرض والطلب. هذا الأمر مُبرّر بعدة عوامل على رأسها الفرز المذهبي الذي لا يُتيح شراء عقارات للمواطن على كامل الأرض اللبنانية. أيضًا هناك شقق شاغرة منذ أكثر من خمسة أعوام يفوق عددها الـ 300 ألف شقة (تقديراتنا) لا يستفيد منها السوق لا بالإيجار ولا بالبيع. أضف إلى ذلك التلاعب بالأسعار المُعلنة حيث أن سعر الشقّة نفسها يختلف بين ما هو مُصرّح للمصرف وما هو مُصرّح للمالية وبين السعر الحقيقي.
ثالثًا – يبقى النقص في الأراضي الصالحة للبناء عائقا أساسيا أمام إنخفاض أسعار العقارات خصوصًا في بيروت ومنطقة جبل لبنان حيث الأساس من العمليات العقارية. ويزداد الأمر تعقيدًا مع زيادة عدد السكان في لبنان، الأمر الذي يدفع بالعديد من المُستثمرين إلى الإعتقاد أن أسعار الشقق لن تنخفض بل هي إلى إرتفاع. وبالنظر إلى الواقع الحقيقي، نرى أن العديد من المُستثمرين لا يعتمدون على مداخيل إستثماراتهم العقارية مما يُخفف الضغط على الأسعار وبالتالي يُحافظ على مستوى أعوام المجد. أضف إلى ذلك وجود العديد من النازحين السوريين والأجانب الذين يستأجرون شققا وعقارات مما يُشكّل مدخولًا إضافيًا للمُستثمرين.
رابعًا – العديد من المُستثمرين وضعوا أموالهم في القطاع العقاري ايماناً منهم بأن الإستثمار في العقارات هو ملاذ أكثر أمانًا من ودائع بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي. وبالتالي لا يرى هؤلاء المُستثمرون (وهذا صحيح) أن هناك خطرا على سوق العقارات (قانون الأعداد الكبيرة).
خامسًا – توقع صندوق النقد الدولي إرتفاعًا ملحوظًا بتحاويل المُغتربين اللبنانيين في العام 2017 لتبلغ هذه التحاويل 7.9 مليار دولار أميركي. وتُظهر التحاليل أن قيمة هذه التحاويل ستفوق الـ 8 مليار دولار أميركي هذا العام مدعومة بتحسّن الإقتصاد الأميركي، والإقتصاد الألماني وزيادة ملحوظة في النشاط التجاري في أفريقيا حيث يُسيطر اللبنانيون على التجارة في العديد من هذه الدول.
سادسًا – إن إقتراب موعد بدء إعادة إعمار سوريا وإعتماد لبنان من قبل العديد من الدول الأجنبية كمنصّة ستستخدمها هذه الدول للمُشاركة في إعادة الإعمار، تدفع العديد من المُستثمرين إلى التموضع مُسبقًا في سوق العقارات. ومن المُتوقع أن نشهد إرتفاعًا في عدد العمليات العقارية خصوصًا على الحدود مع سوريا بشكل يعكس مستوى مساهمة المُستثمر في إعادة الإعمار كما وإستفادة السكان المحليين من إعادة الإعمار هذه.
سابعًا – يُعدّ الملف النفطي اللبناني العامل الأساسي في إرتفاع أسعار العقارات في الأعوام القادمة. فكلما إقتربنا من تاريخ بدء التنقيب سنشهد زيادة في العمليات العقارية مُركّزة بالدرجة الأولى على طول الساحل اللبناني وفي المناطق الجبلية القريبة من الساحل.
من هنا نرى أن الحديث عن إنهيار في القطاع العقاري يبقى في خانة المراهنة غير العلمية حيث أثبتت السنوات السبع الأخيرة أن نظرة اللاعبين الإقتصاديين الى هذا السوق بعيدة كل البعد من تحاليل الخبراء العقاريين. وما ثبات الأسعار إلا أفضل دليل على ذلك.
وبالنظر إلى واقع البنى التحتية في لبنان خصوصًا الطرقات وما آلت إليه من تآكل بفعل قلّة الصيانة وإزدياد عدد السيّارات والشاحنات، نرى أن هناك إلزامية على الحكومة أن تولي البنى التحتية إهتمامًا خاصًا لدفع التطوّر العقاري ونمو القطاع ليشمل الأطراف حيث هناك الكثير من الأراضي التي يُمكن إستخدامها وتخفيف الضغط على العاصمة وجبل لبنان.
كما أن إعادة إعمار سوريا ستتطلّب إستهلاكًا مُفرطًا للطرقات اللبنانية الأمر الذي يفرض وضع سكك حديدية ما بين الساحل والحدود السورية تهدف في الدرجة الأولى إلى نقل البضائع وأيضًا إلى نقل الركاب بين الساحل والمناطق الداخلية.
يظهر من خلال تحليلنا أن هناك إرتباطا عضويا بين نمو القطاع العقاري وبين تحديث البنى التحتية في لبنان. وبما أن الحكومة في صدد وضع خطّة إقتصادية لتحفيز النمو الإقتصادي اللبناني، من الضروري ان تضع الحكومة تطوير البنى التحتية في سُلمّ أولوياتها عساها تدفع بالإقتصاد اللبناني بقطاعاته المُختلفة إلى النموّ بفعل زيادة التواصل والتفاعل بين مُختلف هذه القطاعات.