IMLebanon

واقع جديد على الحكومة والحوار

مرّةً أخرى، لعبَ «حزب الله» الورقة المناسبة، في الزمان والمكان المناسبين. ومرّةً جديدة، أثبتَ «الحزب» أنّه الطرف اللبناني الوحيد الممسِك بالمبادرة، فيما الآخرون يعيشون على ردّات الفعل.

كان تيار «المستقبل» يرفض أن يكون شريكاً لـ»حزب الله»، تحت سقف حكومة وحدة وطنية أو حكومة شراكة سياسية، ما لم يخرج «الحزب» من الصراع السوري. وبقيَ التيار متمسّكاً بهذا الموقف بعد تكليف الرئيس تمّام سلام تأليف الحكومة.

وطرحَ تأليف «حكومة الحد الأدنى» من شخصيات حيادية غير سياسية يُشارك فيها «المستقبل» بممثّلين عنه. وأصرَّ على أنّه لن يشارك في أيّ حكومة سياسية أو ذات لون سياسي فاقع، لئلّا ينتقل الخلاف إلى داخل الحكومة مجدّداً.

لكن «المستقبل» تراجَع عن رفضِه، واقتنع بالحكومة الحاليّة التي هي حكومة شراكة سياسية قوامُها جناحان أساسيان: «المستقبل» و»الحزب»، خصوصاً بعدما أغدقَ «الحزب» عليه هداياه الحكومية.

ويبدو أنّ «المستقبل» وجد نفسَه مضطرّاً إلى الدخول في الحكومة لوقفِ تمدُّد المتطرّفين والإرهابيين في الوسط السنّي ومنعِ الفتنة. وهذا سبب أساسيّ. لكنّ هناك سبباً آخر، وهو رغبة «التيار» في أن يكون شريكاً في الحكومة التي ستدير البلد إذا وصل إلى الفراغ الرئاسي في 25 أيار 2014. وهذا ما حصلَ فعلاً.

بعدما جَذب «الحزب» خصمَه إلى «بيت الطاعة» الحكومي، طرحَ عليه الجلوس معاً إلى طاولة حوار. وكان «التيار» يصرُّ دائماً على أنّ أيّ حوار مع «الحزب» يجب أن ينطلق من البند الأساسي على طاولة الحوار الوطني، أي بند السلاح، وقرار الحرب والسِلم.

لكنّ «المستقبل» اقتنعَ بنصيحة النائب وليد جنبلاط، أي بالحوار الثنائي لتجنيب لبنان الفتنة، وغضّ النظر ظرفيّاً عن المسائل الساخنة، كالسلاح وقرار الحرب والسِلم والتورّط في سوريا. ومع أنّ كوادر في «المستقبل» و»14 آذار» سألوا: «إذاً، علامَ يكون الحوار؟»، فإنّ «حزب الله» جذبَ خصمَه اللدود إلى طاولة حوارية تقفز مواعيدها أسبوعاً بعد أسبوع، على غرار المواعيد المفترَضة لانتخاب رئيس للجمهورية.

والحوار الدائر، الذي يتكتّم الطرفان على بنوده، من المؤكّد أنّه ليس مخصّصاً لا للسلاح ولا لقرار الحرب والسِلم، ولا حتى للنقاش في ملفّ «سرايا المقاومة». فهذه الملفات هي من خصوصيات «الحزب»، وليس لأحد أن يشاركه القرار فيها.

وحتى اللحظة التي تمَّت فيها عملية شبعا، لم يكن أحد يشعر بأنّ قرار الحرب والسِلم هو مسألة طارئة تستدعي النقاش. وربّما كان ذلك يبرّر لـ«المستقبل» تجاهلَه مسألة الحرب والسِلم مع إسرائيل. فالجنوب هادئ جدّاً منذ أن صدر القرار 1701 في العام 2006. أمّا الوجهة التي باتت تجذب الحزب عسكرياً، منذ أربع سنوات، فهي سوريا لا إسرائيل.

اليوم، أعيدَ خلط الأوراق: فـ»حزب الله» فرضَ واقعاً جديداً على الحكومة والحوار معاً. وهو جذبَ خصومَه إلى الشراكة فيهما من دون أن يدفع شيئاً من رصيده: لا ثمن احتفاظه بالسلاح ولا ثمن التورُّط في سوريا ولا حتى ثمن قرار الحرب والسلم! وهو نفسه يعطّل انتخابات رئاسة الجمهورية، بعدما عطّلَ الانتخابات النيابية، وأمّنَ التمديد للمجلس الحالي بعدما أقنعَ خصومَه بأنّ ذلك هو الخيار الأفضل… من دون أن يدفعَ أيّ ثمن.

في المقابل، يجدر السؤال: ما الذي حقّقَه الخصوم أو ينتظرون تحقيقَه من الحكومة والحوار؟ وأساساً، هل ينتظر «المستقبل» شيئاً ما ليحقّقه من الحوار، أم إنّ «14 آذار» اعتادت تغطية «حزب الله» مجّاناً كلّما احتاج إلى ذلك، سواءٌ بالحوار العبثي أو بالحكومات الكرتونية؟

في منطق «المستقبل» أنّ الحوار مع «الحزب»- في المطلق- أفضل من اللاحوار، وهو على الأقلّ يعطّل الفتنة المذهبية ويحقِّق الشراكة في «إدارة الفراغ». ولكن في منطق «حزب الله» أنّه يمسِك مجدّداً بالمبادرة وبأوراق جديدة، في الداخل وسوريا والحدود الجنوبية… وعلى الآخرين أن يعتادوا على تقبُّل ذلك. إنّها هنا براعة «حزب الله»، سواءٌ ارتضى الخصوم في «14 آذار» أن يعترفوا أم لا!