عندما وصل أمين سر الفاتيكان، الكاردينال بيترو بارولين الى لبنان، كان بباله جمع المسيحيين في بلد يُعتبر فيه الوجود المسيحي أساسياً وضرورياً في كل المنطقة، ولكن اكتشف أن جمعهم في المرحلة الحالية يكاد يكون مستحيلاً، فإذا عجز الرجل الثاني في الفاتيكان والأول على المستوى السياسي من تحقيق هذا الحلم، فمن يستطيع ذلك؟
عندما يتعلق الأمر بمصلحة لبنان، فمن الطبيعي أن لا تشهد الطوائف انقسامات حادة، هذا لا يعني أن المطلوب وحدة الموقف السياسي للجميع، على العكس فإن الخلاف السياسي هو أمر صحي وديموقراطي، ولكن عندما تكون مصلحة الطائفة على المحك، ومصلحة الوطن معها، يصبح من الضروري البحث بأسباب الخلاف، كونه لا يؤثر في طائفة واحدة وحسب بل في كل الطوائف.
عندما تغيّب سعد الحريري عن المشهد السياسي دفعت الطائفة السنية الثمن، حتى خصوم “تيار المستقبل” الذين سارعوا لمحاولة نهش جسد التيار بعد غياب رئيسه، ولكن مع دفع الطائفة السنية للثمن دفع لبنان الثمن أيضاً، من خلال تصوير الأزمة التي يمر بها لبنان أزمة شيعية – مسيحية، فالصراع بين المسيحيين والشيعة اشتدّ بشكل كبير جداً بعد قرار الحريري مغادرة لبنان والابتعاد عن السياسة، حتى بتنا اليوم أمام مشهد انقسام كبير بين فئة كبيرة من المسيحيين وفئة كبيرة من الشيعة، وهذا لا يخدم لبنان بطبيعة الحال.
كذلك الأمر بالنسبة الى المسيحيين اليوم، فالخلاف بينهم لا يُضر طائفتهم وحسب بل ينسحب الضرر على كل لبنان، علماً أن للمسيحيين وضعهم الخاص في المنطقة ككل وليس في لبنان فقط، لذلك تُشير مصادر سياسية متابعة الى أن زيارة بارولين جعلته حزيناً على واقع المسيحيين بالدرجة الأولى، معتبراً أن المسؤولين السياسيين في الطائفة يعملون لمصالحهم الخاصة، وهو ما سيؤثر في واقعهم بالمستقبل.
وتؤكد المصادر أن تصريح بارولين من عين التينة، والذي قال فيه “اعتقد ان الحلّ لازمة الرئاسة يبدأ من هذا المقرّ” هي رسالة موجهة الى المسيحيين بالدرجة الأولى، حيث لا يرى الفاتيكان إمكانية للحلول في لبنان ما لم ينطلق الحوار بين المكونات اللبنانية، مشيرة الى أن الفاتيكان يعتبر قوة المسيحيين بتوحدهم اولاً وعلاقاتهم الوطنية الجيدة مع باقي مكونات لبنان، وأن تفرقهم كما هو الحال اليوم، وسوء علاقاتهم مع بقية القوى السياسية اللبنانية سيؤدي بهم الى الضعف أكثر.
وترى المصادر أن توضيحات من الطائفة الشيعية وصلت الى دوائر الفاتيكان وأمين سره خلال وجوده في لبنان، تؤكد أن مقاطعة لقاء الثلاثاء في بكركي لا يهدف لإرسال أي رسالة الى الفاتيكان، إلا أن المقاطعة كانت ضرورية بعد مواقف البطريرك الراعي نهار الأحد الماضي، وقد أبدى بارولين تفهمه للموقف، ولو أنه كان يفضل حضور الجميع للقاء في بكركي، علماً أنه انزعج أيضاً من غياب قادة أحزاب مسيحيين عن اللقاء، ولو أن التبرير كان بحجة الظروف الأمنية.
إن المطلوب بحسب دوائر الفاتيكان وضع المصالح الشخصية للقادة المسيحيين جانباً، والانفتاح على بقية القوى السياسية اللبنانية وتحديداً الثنائي الشيعي لإنتاج رئيس للجمهورية، لأن منطق الرفض دون تقديم الحلول سيحمل الضرر للمسيحيين أولاً.