كل شيء كالعادة في التحضير لقمة البحر الميت التي تبدأ اليوم. ولا شيء كالعادة في الأزمات والحروب التي تضرب العالم العربي، وفي التحديات أمامه، وفي التحولات الدولية من حوله. مشاريع القرارات المقدمة الى القادة العرب لتصدر بعد الموافقة عليها في البيان الختامي للقمة هي على العموم من أرشيف قمم سابقة: بعضها مكرر كما هو. وبعضها الآخر أضيف اليه ما استجد من أمور في موضوعه. وقليلها جديد. والقرارات المطلوبة لمواجهة الأخطار وتوظيف الفرص متروكة للعواصم المعنية خارج القمة وللتفاهم مع القوى الدولية المؤثرة.
ذلك ان ما يقدمه القادة الى كل بلد في المسماة قرارات هو ما يطلبه لنفسه وما يتمنونه له، وليس ما يجب أن يفعلوه لتحقيق الأمنيات. فمن السهل أن يحمل البيان الختامي الحرص على وحدة سوريا وانهاء حربها، ودعم الشرعية اليمنية والحل السياسي، ودعم العراق في محاربة داعش ومطالبة تركيا بسحب قواتها من هناك، وتقدير التسوية الرئاسية في لبنان والاشادة بتحمله أعباء النازحين السوريين، وسوى ذلك من مواضيع. لكن سوريا ليست موحدة وكثير من الجيوش والميليشيات في المنطقة والعالم تقاتل في حرب سوريا. وحرب اليمن طويلة ولا تقود الى حلّ عسكري ولا الى حلّ سياسي. والحرب على داعش في العراق لها حسابات سياسية صعبة بعد تحرير الموصل. ولبنان الذي تفوق أعباء النازحين قدرته واقع في أزمة اقتصادية ومالية كما في أزمة سياسية تهدّد بأن تصبح أزمة دستورية. وليس للقمة دور عملي في إنهاء الحروب والأزمات، وان فرض البؤس السياسي ان يصبح الحصول على تأييد في بيان انجازا.
ومن المهم أن يعاد التذكير في القمة بأن قضية فلسطين لا تزال قضية العرب المركزية وسط الكثير من القضايا والأزمات. فضلا عن العودة الى مبادرة السلام العربية التي خرجت من قمة بيروت عام ٢٠٠٢ لتكون أساس التفاوض على حلّ الدولتين. لكن موازين القوى المختلة التي منعت تحقيق التسوية السياسية على أساس المبادرة العربية خلال ١٥ سنة ازدادت اختلالا. فلا الوضع الفلسطيني والأوضاع العربية والتحولات الأميركية والروسية والأوروبية تضع في أيدي الفلسطينيين أوراقا تفاوضية قوية وضاغطة. ولا الرهان على خيار وحيد هو التفاوض من دون مقاومة ما على الأرض يجبر اسرائيل على أكثر من التفاوض الشكلي.
فضلا عن أن ما حدث من اختصار الصراع العربي – الاسرائيلي بالنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي أصاب بأضرار بالغة قدرة الفلسطينيين والعرب على الحرب والسلم، وان تحمّس كثيرون لتحقيق القرار الفلسطيني المستقل. وليس في العودة الى مبادرة السلام العربية ما يضمن بالفعل اعادة الصراع الى طابعه العربي – الاسرائيلي بكل ما يعنيه ذلك من قرارات.