قبل تقويم نتائج كل معركة تقع بين الجيش ومسلحين والاشادة بانتصاره عليهم ثم التعزية بشهدائه الابطال، وتحميل خزينة الدولة دفع تعويضات للمتضررين، ينبغي معرفة الاسباب التي ادت الى كل ذلك والعمل على ازالتها.
لقد نبه مسؤولون عرب ودوليون غير مرة، خصوصا من اصدقاء لبنان، من خطورة امتداد الحريق السوري الى لبنان ووجوب العمل على منع ذلك، وقد ادرك الرئيس السابق ميشال سليمان خطورة التدخل في الحرب السورية وتداعياتها على الداخل اللبناني، فوضع في اجتماع هيئة الحوار الوطني بنود تحييد لبنان عن كل ما يجري حوله ولاسيما في سوريا، فصدر عن ذاك الاجتماع ما عرف بـ”اعلان بعبدا” الذي يحمي تنفيذ بنوده كاملة لبنان ويحافظ على سيادته واستقلاله وعلى الأمن والاستقرار فيه. وعندما تشكلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قررت اعتماد سياسة النأي بالنفس ترجمة لـ”اعلان بعبدا”، لكن “حزب الله” خالف هذه السياسة وأرسل مقاتليه الى سوريا ليقاتلوا الى جانب جيش النظام السوري ضد الثائرين عليه غير آخذ في الاعتبار الانقسام السياسي والمذهبي بين اللبنانيين حول ما يجري في سوريا. وبرر الحزب تدخله بالقول انه يريد ضرب المجموعات “التكفيرية والارهابية” داخل سوريا قبل ان تدخل لبنان، فكانت النتيجة ان هذا التدخل ادخل مجموعات تكفيرية وارهابية اليه وعرّض مناطق فيه، لا سيما في البقاع والشمال والضاحية الجنوبية، لأعمال عنف وتفجيرات واغتيالات وسيارات مفخخة، واصبحت الحدود اللبنانية – السورية ساحة حروب بين الجيش وقوى الامن الداخلي من جهة، ومسلحي “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش من جهة اخرى، بدأت في عرسال ثم في بريتال وامتدت الى عكار وطرابلس ولا أحد يعرف الى أين ستمتد لتشغل الجيش وقوى الأمن الداخلي وتنهكهما لأنه ليس أصعب من أن تخوض الجيوش حرب العصابات والارهاب لأنها تواجه بها اشباحا ومسلحين يضربون ويفرون. فلو أن الاحزاب والقوى السياسية الاساسية في لبنان التزمت “اعلان بعبدا” وسياسة الناي بالنفس، ولاسيما “حزب الله”، لما كان لبنان يواجه ما يواجهه اليوم من اضطرابات امنية واشتباكات هنا وهناك لم تنفع معها حتى المظلة الدولية لحماية أمن لبنان واستقراره، وهو أمن لا يدوم اذا لم تلتق إرادة الداخل مع إرادة الخارج في الحفاظ عليه.
وبعد التدخل في الحرب السورية واجه لبنان موجة تدفق لاجئين سوريين من دون ضوابط، فشكل ذلك مشكلة جديدة للبنان، سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، لا يعرف كيف يواجهها ويحمي نفسه من تداعياتها، خصوصا اذا لم يتلق المساعدات الكافية لتداركها، اذ ان هؤلاء اللاجئين قد يشكلون قنبلة موقوتة داخل لبنان خصوصا اذا طالت الحرب في سوريا ولم يتم التوصل الى حل سريع لها.
وشكّل السلاح خارج الدولة مشكلة ايضا لأمن لبنان واستقراره لأنه جعل القانون يطبق على فئات فيه ولا يطبق على فئات اخرى، كما جعل الصيف والشتاء على سطح واحد، وهذا ما ولد شعورا لدى فئات لبنانية بالخوف والغبن والظلم، وحول وان قلّة فيها بيئة حاضنة لعناصر تكفيرية وارهابية لا حبا بها انما انتقاما ممن يتسلطون عليها. فلو أن هيئة الحوار الوطني وافقت على الاستراتيجية التي تضبط كل سلاح خارج الدولة وتجعله خاضعا لإمرة السلطة، لما كان هذا السلاح يتحرك في كل زمان ومكان بإرادة حامليه فقط.
وجاء بعد ذلك الشغور الرئاسي ليضيف مشكلة جديدة الى كل هذه المشاكل ويضع لبنان في عين العاصفة لأن الدولة عندما تكون بلا رأس، فانها لا تبقى دولة بل تتحول دويلات وتصبح محكومة من رؤوس عدة كما هي الحال مع الحكومة الحالية التي كل وزير فيها رئيس، وكل وزير يستطيع أن يتحكم بمصيرها اذا لم تستجب لمطالبه، خصوصا اذا كان يمثل احزابا قوية قادرة اذا ما انسحبت من الحكومة على ان تخلّ بالميثاق الوطني…
لذلك لا أمن ولا استقرار للبنان الا اذا اتفق القادة فيه على عزله عما يجري حوله ولاسيما عن سوريا، وقرروا ان تكون فيه دولة واحدة وجيش واحد وسلاح واحد هو سلاحها يتولى الدفاع عن حدوده في اطار استراتيجية يشارك فيها الشعب مع الجيش في التصدي لكل معتد، والا فان لبنان سيظل عرضة للاضطرابات الامنية والاهتزازات السياسية والتوترات المذهبية ولا ازدهار فيه ولا استثمار مع اللااستقرار.