من بين مجموعة الصور التي عكستها الذكرى الـ11 لإغتيال الرئيس رفيق الحريري، إختار كلّ فريق صورة له تُعزّز موقعه في المواجهة الرئاسية، فتعدَّدت الآراء المنطقية وتلك التي تُثير السخرية. وفي انتظار كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساءَ اليوم، يبدو أنّ بعض ردود الفعل الفورية أثبت «الخطأ» الذي ارتكبه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع بحضوره وهو العليم بما هو حاصل. لماذا وكيف؟
كما هي عادة اللبنانيين، فَهُم خبراء في الخلط بين المزح والجدّ لتصبّ الملاحظات في الهدف عينه، ولذلك فقد أجادوا في تفسير بعض «القبلات» و«الإشارات» التي اختارها الرئيس سعد الحريري في أوانها وفي سياق خطاب متكامل.
وفي الوقت الذي لم يرَ فيه كثر جديداً، لم يظهر أنّ الحريري كان «مغترباً»، فهو في تصرّفاته عبّر وكأنه في الأمس عاد الى بيروت من زيارة قصيرة حطّت فيها طائرته لساعاتٍ في باريس والرياض وألغى رحلة الى الفاتيكان وروما.
بهذه الملاحظات يمكن قراءة خطاب الحريري:
– لم يكن تصرّفه تجاه الرئيس أمين الجميّل مستغرباً، ولكلّ مَن لا يعرف مَن هو «فخامة الرئيس» بالنسبة اليه يكفي القول إنه «أبو بيار».
– لمَن لم يعرف مَن هو سامي الجميّل فهو نجل الجميّل و»شقيق بيار»؟ وهو على رغم عدم مجاراته في معركة ترشيح النائب سليمان فرنجية لم يذهب بعيداً في موقف من العماد ميشال عون وسجّل موقفاً مبدئياً هو الأكثر حياداً بين الجميع من أقطاب هذه القوى وترك للديموقراطية مكاناً، فهو وبعد تمسكه بحضور أيّ جلسة لإنتخاب الرئيس سيُهنّئ مَن يفوز في جلسة بنصابٍ كامل فارتاح وأراح الحلفاء والخصوم معاً.
– لمَن لا يعرف مَن هو سمير جعجع فهو كان «المرشح الحليف» لأكثر من 31 جلسة انتخابية قبل أن يسجّل موقفاً من ترشيح فرنجية وذهابه ليقود معركة مع الحريري ليس على الأراضي اللبنانية فحسب، إنما على أرض المملكة اعتقاداً منه أنّ بإمكانه ليّ ذراع الحريري في عقر داره.
– لمَن لا يعرف مَن هو «حزب الله» بالنسبة الى الحريري، قد يُفاجَأ بالهجوم العنيف عليه من باب مسلسل الأزمات السورية والعراقية واليمنية والبحرينية على خلفيات «النزاع العربي-الإيراني». فلم يأتِ في خطابه منه بأيّ جديد سوى ما يستفز الحزب مرة أخرى عشية إحيائه ذكرى «القادة الشهداء» والتي حرص نصرالله خلال السنوات الأخيرة على تأخير إحيائها من 8 شباط الى ما بعد إحياء ذكرى الحريري ولم يُغيّر في الموعد حتى اليوم.
– لمَن لا يعرف مَن هو عون، فقد كان واضحاً أنّ سعي التيار الى إحياء الحوار مع الحريري أمرٌ مرفوض، يدلّ عليه فشل المحاولات الأخيرة التي قادها أكثر من قيادي في التيار البرتقالي وحليف وصديق مشترك. فهل كان أحد يعيش على الأراضي اللبنانية ينتظر «طراوة» في موقف الحريري من ترشيح عون أو تبدّلاً يريده البعض لتزكيته كما هي مطروحة؟
– ولمَن لا يعرف مَن هو سليمان فرنجية عليه أن يتذكر كلّ ما سبق ورافق وتلا الإشارة الى ترشيحه. فلماذا فوجئ البعض ومنهم جعجع طالما أنه هو مَن كشف أنّ الحريري صارحه به قبل ستة أشهر قبل «لقاء باريس» وأبلغه برفضه للفكرة شكلاً ومضموناً!؟
– ولمَن لا يعرف مَن هما رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط فهما رفيقا الحريري في كلّ الملمات. فالأوّل راعي الحوار بينه و بين «حزب الله» ولا يمكنه أن يكون الى جانب ترشيح عون. أما الثاني فبايعه بمواقف لا تحصى على رغم ابتعاده من قوى «14 آذار» وشاركه خيار فرنجية.
– لمَن لا يعرف مَن هو أشرف ريفي، فهو من أبناء البيت ويكفي أن يتذكرا معاً «مسيرة النضال» بينهما في الأمن والمحكمة الخاصة بلبنان ولن يفرّقهما موقف من ترشيح فرنجية. فللكثير من مثل هذه المشكلات حلول ومخارج لا تُحصى وإنّ الإنفعال ممكن بين «شقيقين».
على هذه الخلفيات تبقى الإشارة المستغرَبة الى أجواء الإرتياح التي تركها خطاب الحريري عند «التيار الوطني الحر» لمجرّد أنه لا يعارض وصول أيّ مرشح لا يرفض «إتفاق الطائف»، فاستعجل أحد وزراء «التيار» الكشف عن رسائل عون – التي لم تُنشر بعد – الى القيادة السعودية وعواصم خليجية وعربية أخرى مبدياً فيها إستعداده لإلتزام «الطائف» واحترامه، فيما يسجّل يومياً مواقفَ من معظم بنوده لا يرتاح لها أحد.
وبناءً على ما تقدّم سينتظر جميع اللبنانيين مزيداً من القراءات في خطاب الحريري الى أن يقول السيد نصرالله كلمته مساءَ اليوم وهو ما يمكن البناء عليه لتحديد مهمة الحريري في الأيام المقبلة ومدى إقامته في بيروت وتحديد توقيتها وشكلها.
فالواضح أنّ الحريري عندما خالف «وصايا» وزير الصحة وائل أبو فاعور بعدم «التبويس»، أنجز المصالحات الداخلية في «التيار الأزرق» بـ»ثلاث بوسات» على خدّي أشرف ريفي وخالد الضاهر والبقية تأتي في الأيام المقبلة. أما خارج «البيت الأزرق» فكلّ الإحتمالات واردة وليس من المستحسن استباق ما ستحمله الأيام المقبلة من تطوّرات.