IMLebanon

التصعيد الأخير من منظار “حزب الله”: تعدَّدت الأصوات…والمطلوب الكفّ عن الانتقاد

حيال المناخات السياسية الهادرة والعاصفة التي طغت منذ الاحد الماضي في اعقاب الاعلان السعودي عن وقف هبة المليارات الثلاثة لتسليح الجيش والقوى الامنية واعادة النظر بالعلاقات الخليجية – اللبنانية، خال كثر ان الامور ذاهبة الى واحد من احتمالات ثلاثة او كلها مجتمعة:

– انفراط عقد الحكومة السلامية الحاضنة بين جنباتها كل المكونات السياسية المتضادة والمتخاصمة.

– تكريس معادلة رعب داخلية تفضي في خاتمة المطاف الى وضع البلاد على شفا حفرة من الاحتراب او حافة الهاوية.

– وفي اضعف الايمان فرط كل اشكال التلاقي والتحاور بين قطبي النزاع في البلاد، اي “حزب الله” و”تيار المستقبل”، بما فيها الحوار الثنائي في عين التينة والحوار الوطني الشامل.

ومما رفع منسوب التوتر والقلق البيان الصادر عن الاجتماع الموسع لقوى 14 اذار في “بيت الوسط” والكلام الذي اطلقه زعيم هذا الفريق الرئيس سعد الحريري على الاثر وجوهره:”اننا عازمون على الذهاب الى خطوات ما بعدها ليس ما قبلها اذا لم تسر الامور وفق ما نريد”.

هكذا وعلى مدى اكثر من 24 ساعة اضطر اللبنانيون الى ان يعيشوا على اعصابهم وناموا مع كوابيس بصباحات عاصفة ونهارات دراماتيكية الى ان انتهت جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية بعد سبع ساعات من النقاش في مضامين بيان كُتب ليلا سلفاً بالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، أكد المؤكد وكرر المثبت. في المضمون بدا جليا للمراقبين ان الفحوى تماشى الى حد بعيد مع توجهات “حزب الله” الذي توقف عند كل كلمة مضيفا وحاذفا الى ان تلا الرئيس تمّام سلام بيانا لا اعتراض عليه من اي جهة.

وعليه تلاشت العاصفة وتبددت الهواجس والمخاوف بعدما عادت الامور الى سيرتها الاولى، ومع ذلك ارتفع منسوب التساؤلات حول ما حصل ولماذا كانت هذه النتيجة.

في اوساط قوى 8 اذار، وتحديدا في اوساط “حزب الله”، قناعة خلاصتها ان الفريق الاخر، وبالأخص “تيار المستقبل”، بوغت بالموقف السعودي الغاضب، سيّما ان الاسباب والدواعي المعلنة التي استدعت صدور هذا الموقف قد مر عليها الزمن. فالامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بدأ هجومه الاعلامي الحاد على السعودية وسياستها منذ انطلاق حرب اليمن، اي قبل نحو ثمانية اشهر، في حين انه مر نحو اكثر من اسبوعين على الموقف الذي ادلى به وزير الخارجية جبران باسيل في المؤتمرين العربيين اللذين عقدا بدعوة من الرياض، والذي عدّته مخالفا للاجماع العربي ومجافيا للتوجهات والرغبات السعودية.

فضلا عن ذلك، فان الاعلام الخليجي عموما لم يوفر اخيرا في انتقاده الحاد للبنان فريق 14 اذار، معتبرا اياه بالغ “الرخاوة” الى درجة بدا معها وكأنه يحمّل هذا الفريق مسؤولية ما حصل وتبعة التراجع الذي مارسه وسمح لـ “حزب الله” وحلفائه بالتجرؤ على السعودية انتقاداً وتهجماً.

وعليه تراءى لهذه الاوساط كأن عناقيد الغضب السعودي قد رميت في وجه الحلفاء قبل الخصوم واصابت منهم مقتلا ودفعتهم تاليا الى هذا السلوك التصعيدي التهويلي الذي لجأوا اليه استهلالا قبل ان تتكفل الاتصالات داخل مجلس الوزراء والهواتف الساخنة بين المجلس والضاحية و”بيت الوسط” في تدوير الزوايا الحادة وتبريد الرؤوس الحامية والانتهاء الى البيان المنضبط والمتوازن والذي بدا معه كأن شيئا لم يكن.

وفي تصور الاوساط عينها ان الفريق الآخر اخذته الحمية الى اقصى الحدود واستبدت به الحماسة، لكنه عند تقليب الامور على وجوهها كافة لم يكن امامه سوى ثلاثة سبل لا غير:

– العودة الى نهج تصعيد الانتقاد ضد الحزب وتحميله مسؤولية كل ما يمكن ان ينجم عن موجة الغضب السعودي واستتباعا الخليجي.

– العودة الى التهويل بسيف إبعاد اللبنانيين العاملين في دول الخليج.

– اما في الاروقة الموصدة فكان ثمة شرط واحد عنوانه العريض امران: تقديم اعتذار للسعودية كثمن لاطفاء نار غضبها، ووقف الهجوم الاعلامي المتكرر من رموز الحزب وقيادييه على السعودية نهائيا.

وقد خرجت الاوساط عينها بنتيجة فحواها: هذا هو المطلوب الجوهري، وما عدا ذلك فهو تفاصيل يمكن غض الطرف عنها.

ووفق الاوساط عينها كان المراد ضمنا من جراء هذه الخطوة المفاجئة في توقيتها:

– احراج الحزب وحلفائه ودفعهم الى الزاوية كي يبدون في موقف المنعزل.

– شد عصب الفريق الاخر ودفعه من حال التراخي والدفاع الى حال الهجوم والاقدام.

– اعادة خلط الاوراق على الساحة اللبنانية واظهار مكوناتها السياسية بمظهر المربك وليس بمظهر الذي اسلس القياد لمشيئة فريق بعينه “صادر ارادة الدولة”.

ومن البديهي ان الحزب فوجئ كما سواه من القوى بالقرار التصعيدي السعودي وبتوقيته، لكنه استعد للمواجهة على النحو الآتي:

– سارع الى الرد على البيان السعودي ببيان موسع خلافا لمرات سابقة.

– ابلغ المتصلين به انه ليس في وارد التنازل لا شكلا ولا مضمونا خصوصاً لجهة الاعتذار.

– ابلغ ايضا متصلين به انه لا يخشى من خطوات الخصم فهو يعرف سلفا قدراته وحدود تصرفه وانه ليس في وارد فرط عقد حكومة هي حكومته، فضلا عن ان الحزب يعي ان ليس في مقدور احد العودة الى لعبة الشارع اذ انها جربت وعادت بالخسران على الجميع من دون استثناء.

وبناء على هذه القناعة ذهب وزيرا الحزب الى الاجتماع الاستثنائي للحكومة، وقد خرجا عن دماثتهما المعهودة ليعاودا من منبر السرايا الحكومية اطلاق المواقف المتشددة والمعارضة بالمطلق لأي تنازل او تراجع. وعوض ان يظهر الحزب بمظهر المحرج المربك بدا الفريق الاخر اكثر حراجة وهو يستنفر كل قواه ليخفف غضبة الغاضبين.