اوحت الساعات القليلة التي سبقت لقاء قصر بعبدا في حضور الرؤساء الثلاثة وطرفي النزاع الدرزي وليد جنبلاط وطلال ارسلان، انه حاصل بتوقعات مخفوضة. هو اقرب الى وضع قليل من الثلج على التورم منه معالجة الورم
عوّلت جهود ليل الخميس وقبل ظهر الجمعة على حصول مصالحة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان، فإذا الساعات الاخيرة الممهدة لها ركزت على الشق الشكلي فيها اولاً – وهو مهم في ذاته – المرتبط بلقاء الرجلين، على ان يصار الى إنجاح المضمون في اللقاء نفسه.
مقالات مرتبطة
مصالحة بعبدا: اللي استحوا ماتوا! الأخبار
هذه الخلاصة كانت افضل ما يمكن توقعه حتى انعقاد الاجتماع: حضر جنبلاط بعد ايام قليلة على قوله انه لا يشارك في لقاء مصالحة مع ارسلان في قصر بعبدا، وبعد ساعات على قوله ايضاً ان رئيس الجمهورية وفريقه يريدان «الانتقام». كذلك حضر ارسلان قبل ان يتحقق اي من شروطه للمصالحة. لم يُرد رئيس مجلس النواب نبيه برّي، عرّاب هذه المصالحة، اساساً من مساعي الليلة السابقة وتواصله مع رئيس الحكومة سعد الحريري سوى الفصل الكامل ما بين حادثة قبرشمون واستعادة مجلس الوزراء اجتماعاته، آخذاً في الاعتبار ان المصالحة الجدية تحتاج الى وقت بعدما تسببت نزاعات جنبلاط وارسلان في اهدار دم درزي في الشارع مرتين على التوالي في سنة واحدة تقريباً، في الشويفات وقبرشمون. في المقابل كان القاسم المشترك الوحيد بين جنبلاط وارسلان ان وزراءهما لا يحضرون مجلس وزراء لا يأخذ بشروط كل منهما، بذلك التقيا وحلفاؤهما على تعطيل الجلسات.
صباح امس خابر بري ارسلان وطلب منه المشاركة في لقاء المصالحة في قصر بعبدا برعاية الرؤساء الثلاثة، بعدما كان تحدث مع عون والحريري وجنبلاط، فرد بالتحفظ، موافقاً فحسب على لقاء «مصارحة». من ثم اتصل ارسلان برئيس الجمهورية وكرر له الموقف نفسه، مفضلاً الاتفاق سلفاً على معالجة متكاملة لمشكلة قبرشمون. خابر ارسلان من ثم رئيس المجلس موافقاً على لقاء وفق مواصفاته هو، ارفقه باصدار بيان بذلك. جواب بري ان المطلوب في الاساس اللقاء، ثم يصار الى طرح كل المواضيع. عند هذا الحد اكتملت حلقة الحضور.
هل يُستكمل لقاء قصر بعبدا بفتح قنوات حوار بين حزب الله وجنبلاط؟
بيد ان بضعة معطيات احاطت بجهود الساعات الاخيرة، وتركت تأثيراً متفاوتاً على استعجال اللقاء:
اولها، بيان كتلة نواب حزب الله الذي دعا الى وقف السجالات والمماحكات، اعقبه تعميم داخلي من جنبلاط الى نواب حزبه بوقف السجالات ايضاً حيال كل من التيار الوطني الحر وارسلان. لم يخفِ حزب الله تضامنه مع ارسلان ووقوفه الى جانبه، الا انه حذر من التلاعب بأمن الجبل واهدار دم درزي – درزي فيه. كل ذلك لا يحجب خلاف حزب الله مع جنبلاط وانقطاع التواصل معه، والمحافظة على هدنة القطيعة، الا ان بعض المعلومات رجح، بالتزامن مع لقاء المصالحة، فتح قنوات حوار محددة مع الزعيم الدرزي مجدداً.
ثانيها، البيان غير المسبوق للسفارة الاميركية بتحدثه عن قضية ذات بعد امني محض، في الظاهر على الاقل، هي حادثة قبرشمون واقران الكلام عنها بالدعوة الى مراجعة قضائية شفافة، وتجنيب الحادثة مواقف سياسية ونعرات طائفية ومناطقية. ليس قليل الاهمية ان بيان السفارة التي غالباً ما تحاذر الخوض في مسائل حساسة كالقضاء، لم يصدر قبل تشاورها مع الادارة الاميركية. منذ وصول السفيرة مورا كونيللي الى لبنان عام 2011 الى السفيرة الحالية اليزابيت ريتشارد، احجمت السفارة عن الافراط في إظهار التدخل في شؤون محلية على غرار ما كان السفير جيفري فيلتمان، مكتفية بتبادل المعلومات والمواقف مع اصدقائها اللبنانيين بعيداً من الاعلام. لذا احتاج هذا البيان الحساس الى إذن من الخارجية الاميركية، ناهيك بأنه يبدو موجهاً فحسب الى رئيس الجمهورية وفريقه، باعتبار انهما متهمان بالتأثير على القضاء من جهة وامساكهما بمفاتيح هذه السلطة من الوزير صعوداً الى مجلس القضاء الاعلى نزولاً الى القضاة الكبار. بالتأكيد لم تعنِ السفارة، في الاشارات السلبية التي تناولها البيان، جنبلاط احد اقرب اصدقائها اللبنانيين الذي التقى باركانها قبل ايام، اضف انه يتحضر لتكريم فيلتمان مساعد الامين العام للامن المتحدة مع قرب احالته على التقاعد.
مع ان البيان تحدث عن نقاط مبدئية كنزاهة التحقيق، الا انه انطوى بالفعل على مضمون سياسي مضمر، هو لفت الافرقاء اللبنانيين، المنقسمين، الى ضرورة التنبه الى عدم الاخلال بخطوط التماس المنصوبة بينهم منذ عام 2005 بسبب حادثة قبرشمون، والحرص على ابقاء هذا التماس هادئاً ومستقراً، وإن بعيداً من اصطفاف 8 و14 آذار. ليس خافياً، تبعاً للمطلعين على دلالات بيان السفارة الاميركية، ان الاميركيين يأخذون في الاعتبار الانقسام الداخلي الحالي بين رئيس الجمهورية وحزب الله وحلفائهما، وبين جنبلاط وحزب القوات اللبنانية في مقلب مناوئ. بين الفريقين، يتقلّب الحريري من غير ان يفقد علاقته بكل منهما. اذ استقر رئيس الحكومة على المعادلة المعقدة التالية: لا يريد الاشتباك مع رئيس الجمهورية، ولا الخلاف مع حزب الله، ومتمسك بالتسوية مع الوزير جبران باسيل، ولا يسعه التخلي عن جنبلاط او التحرّك في معزل عن برّي. الاهم في ذلك كله ان يقطف من اليمين واليسار في آن.
ثالثها، لعل الايجابية الرئيسية المنبثقة من لقاء المصالحة انها اتاحت المصافحة، وتالياً رغبة جنبلاط وارسلان في الخروج من دوامة العنف الدرزي – الدرزي، ما قد يؤول الى طي صفحة ما حدث في الشويفات وقبرشمون على السواء. بيد ان قلب المشكلة واولها لم يُسوَّ بعد. قبل ايام تجاوز الحزب التقدمي الاشتراكي الخلاف الدرزي – الدرزي عندما اعاد، في مؤتمره الصحافي، النزاع الدموي الى اصله السياسي، وهو الخلاف مع باسيل والتيار الوطني الحر، واستطراداً توجيه سهام الى رئيس الجمهورية. بيد ان هذا الشق من المشكلة لا يزال عالقاً، وهو ما حمل جنبلاط، منذ 30 حزيران، على القول انه مستهدف ككيان وزعامة. بالتأكيد لم يعنِ ارسلان، بل كل ما ترتب على مرحلة ما بعد انتخابات 2018.