Site icon IMLebanon

تسجيل «نصر إستباقي» تمهيداً لعودة حزب الله من سوريا

    قراءة مغايرة لمعركة الجرود علی وقع الاتفاق الأميركي – الروسي

    السيّد نصر الله في خطاب الأربعاء تغاضى عن جملة معطيات حاسمة.. والمقارنة بين الإمكانات ليست في محلها

سعى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأربعاء الذي خصصه لتطورات معركة القلمون الغربي وجرود عرسال إلى توصيف سيطرة مليشيا حزبه على جرود فليطة وأجزاء واسعة من جرود عرسال على أنه «انتصار ميداني وعسكري كبير»، عارضا لطبيعة المنطقة الجغرافية ومساحتها، ومقدماً مقارنة بين وضع عناصره ومسلحي الجرود بغية إظهار أهمية «الإنتصار الذي فاجاً الجميع». فالعدو، وفق نصرالله، يقطن الجبال والوديان والتلال في وضعية دفاع محصناً بكهوفها وأنفاقها، وتشكل التضاريس الطبيعية أكبر متاريس وخطوط دفاع، ولديهم السلاح والذخيرة وإمكانات ومواد غذائية وطبية، والأهم أنهم مرتاحون على وضعهم النفسي والمعنوي ولا مشاكل لديهم، وعائلاتهم بالقرب منهم في المخيمات التي يستطيعون النزول اليها، فيما مقاتلو نصرالله في موقع الهجوم يتحركون مكشوفين ومستهدفين، وعليهم المشي والصعود إلى الجبال والنزول إلى الوديان سيراً على الاقدام في مناطق جرداء يستحكم بها المسلحون.

غير أن نصرالله، الذي استفاض في شرح مجريات المعركة، تغاضى عن جملة معطيات حاسمة من شأنها أن تقدم التوصيف الدقيق للمعركة. وأبرزها أن هؤلاء المسلحين، والذين في غالبيتهم من بلدات القلمون، فروا إلى الجرود بعدما احتلت مليشيات الحزب بيوتهم وأرزاقهم، وأضحوا طفاراً في الجبال، مشردين عن عائلاتهم التي تسكن المخيمات في ظروف إنسانية صعبة. وهم عملياً محاصرون بشكل كبير منذ أب 2014 بعد العملية العسكرية التي استهدفت الجيش والقوى الأمنية في عرسال البلدة، رغم ما شابها من ملابسات حول مسبباتها ودور الأجهزة الاستخباراتية فيها. وازداد الحصار عليهم بعد معركة الجرود الأولى في العام 2015 وأحكم الطوق عليهم كما تمَ التضييق على المخيمات في الجرود في السنتين الأخيرتين من قبل الجيش اللبناني الذي ضبط المعابر بين عرسال البلدة وجرودها، ما جعلهم في وضع صعب على مختلف المستويات، فضلاً عن أنهم محاصرون من ثلاث جهات، من الحزب ومن الجيش ومن «داعش»، بشهادة «السيد»، والحصار أمر ليس بجديد، وهو ما كان يدفع الخبراء العسكريين إلى اعتبار أن هذه المنطقة ساقطة عسكرياً، وأن مسالة الإنتهاء من هذا «الجيب» ليست بالمهمة الصعبة حين تحين الساعة.

أما المقارنة في الإمكانات، فهي بين إمكانات مسلحي «جبهة النصرة» المقدرين بالمئات والمحاصرين والموزعين على مجموعات في تلك المنطقة الواسعة بنوعية أسلحة خفيفة ومتوسطة وذخائر محدودة، وبين إمكانات مقاتلي «حزب الله» التي سُخّرت للمعركة، حيث توزعت الاسلحة بين سلاح الطيران السوري والمدفعية من الجيش السوري ومن الجيش اللبناني والصواريخ والراجمات وعديد من المقاتلين يفوق أضعاف أضعاف المسلحين، فضلاً عن أن المعركة، كما قال نصرالله، جرى الاعداد لها جيداً وتجميع المعلومات والمعطيات والاحداثيات ورسم الخطط في شأنها. وهي تالياً مقارنة تؤول ببساطة إلى تفوق واضح للقوة المهاجمة في نوعية الاسلحة وعديدها والتحضير اللوجستي لها.

مرد هذا التوصيف يعود إلى أن المتابعين للأيام الماضية توقفوا عند حجم التعبئة لماكينة الإعلام الحربي التابعة للحزب والتي كانت المصدر الوحيد للمعلومات، فتحولت غالبية وسائل الاعلام إلى دور المتلقي، فالملقن للجمهور من دون أي عملية تدقيق في لعبة تسابق إعلامي جعلت من الجميع نسخة واحدة متشابهة، في ظل غياب المصادر المتنوعة. وهي تعبئة مدروسة أريد لها ان تأتي مضخمة في محاولة لإظهار صورة بطولية لمقاتلي الحزب تلامس الأفلام الهوليودية، ما دفع إلى السؤال عن الأسباب الكامنة وراء هذا العمل الإستعراضي المتباهي الذي ميّز معركة الجرود الثانية وكان مختلفاً عن طريقة تظهير معارك الحزب السابقة سواء ضد إسرائيل أو في سوريا والعراق.

الإجابة عن هذا التساؤل يربطها متابعون بمسار التطورات المرتبطة بالاتفاق الأميركي-الروسي. فعلى الرغم من أن نصرالله سعى إلى الإيحاء أن توقيت المعركة هو ذاتي داخلي ليس له علاقة بأي جهة إقليمية ولا بتطورات خارجية، فإن هؤلاء يرون أن منطقة جنوب سوريا التي سعت إيران وأذرعها الميليشياوية الشيعية إلى التمدد فيها من أجل السيطرة على الحدود مع إسرائيل والحدود مع الاردن شهد اتفاقاً لوقف إطلاق نار، يقضي بانسحاب كل الميليشيات التابعة لإيران من هذه المنطقة بعمق 40 كلم، وقد بدأت الشرطة العسكرية الروسية بالانتشار، فيما بدأت الميليشيات بالانسحاب، في مشهد من شأنه أن يترك كثيراً من الأسئلة في بيئة الحزب الذي يتباهى بإنشائه «حزب الله» السوري للعمل في الجولان، في وقت يتم فيه التسريب بأن الاتفاق الأميركي- الروسي حول سوريا أضحى مكتملاً في بنوده سواء في ما خص الدستور الجديد أو طبيعة الحكم وتركيبته، وحتى تواريخ الاستحقاقات المرتقبة، إلا أن شرط هذا الإتفاق الكلي مرهون بالموافقة الروسية على عدم وجود أي ميليشيات أجنبية في سوريا، وفي مقدمها المليشيات الإيرانية.

مضامين هذا الاتفاق يدفع إيران المرابضة أذرعها بشكل قوي في محيط دمشق وحمص والقلمون على الحدود مع لبنان لجهة سوريا إلى الانتهاء من هذا «الجيب» في جرود فليطا وجرود عرسال من أجل تحسين أوراقها في وقت المساومة، فيما «الانتصار الأسطوري» للحزب على الإرهاب الذي ضرب مناطق بيئته الحاضنة يشكل «رضى معنوياً» لهذه البيئة التي ستكثر أسئلتها عما حصدته من الحرب في سوريا ومن العداء الذي بات مستحكماً مع شريحة واسعة من السوريين ومن اللبنانيين على أسس مذهبية، وهي أسئلة ستزداد مع الهجمة الأميركية ضد الحزب والعقوبات التي باتت على قاب قوسين أو أدنى من أن تصدر في نسخة أكثر حدة حيال الحزب والكيانات والافراد المرتبطة به والمناصرين وبيئته الحاضنة.

قراءة تجعل الهدف من معركة الجرود تسجيل «نصر استباقي» يترافق مع بدء العد العكسي لرحلة العودة من سوريا إلى لبنان مع ما سيرافقها من أسئلة كبرى تتعلق بحسابات الربح والخسارة من مغامرة «حزب الله».