Site icon IMLebanon

توسيع رقعة حرب غزة نحو البحر الأحمر

 

تتواصل الحرب الإجرامية والتدميرية والكارثية على غزة، بعد نحو 80 يوماً من اندلاعها، من دون أي بوادر إيجابية لوقفها في المستقبل القريب. علماً أن رقعة هذه الحرب كانت قد بدأت تتوسَّع نحو دول المنطقة، على نحوٍ مباشر وغير مباشر، بحرب ساخنة أو باردة، مع تداعيات كبيرة على كل اقتصادات البلدان المجاورة.

فقد شهدت المنطقة جموداً في كل الإستثمارات والإنماء، وانخفاضاً حاداً في الملاحة الجوية، وها نحن اليوم نشهد ضغوطاً كبيرة ومؤذية على حركة الملاحة البحرية، وخصوصاً على البحر الأحمر الذي يُشكل منصّة أساسية للمنطقة، لا سيما لأوروبا.

 

منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول 2023، كنّا نتخوّف ونُحذّر من توسّع رقعة الصراع، في الدول المجاورة، والتأثير المباشر على اقتصاداتها واستثماراتها، والتبادل التجاري، وتداعياتها على التوازن المالي والنقدي، والجمود الإقتصادي ونتائجه الكارثية. فكل المنطقة تدفع ثمناً باهظاً جداً لهذه الحرب الباردة، وتداعياتها السلبية على الثقة، والإنماء، والإستثمارات والتطوّر.

 

أمّا لبنان فيُواجه حرباً ساخنة على حدوده الجنوبية، مع مخاطر مخيفة من توسّعها، وحرباً باردة شاملة على كل أراضيه، أعادتنا أشواطاً إلى الوراء، وتدفعنا نحو القعر. فلبنان والأردن، ومصر والمملكة العربية السعودية، تدفع أثماناً مباشرة جرّاء هذه الحرب، مع جمود مخيف لكل حركتها الإقتصادية، وتراجع هائل لكل قطاعاتها الإنتاجية.

 

أما اليوم، فكل الأنظار مركّزة على البحر الأحمر، بعد الهجومات المتتالية من قبل الحوثيين على السفن التجارية، والضغوط على ممرّ باب المندب الذي يُعتبر الممر الرئيسي لمعظم السفن الدولية، ويشكل حوالى 30 % من الحركة البحرية الدولية.

 

فبعدما اتخذت أكبر 4 شركات نقل ومالكي السفن، قراراً مشتركاً بوقف المرور في هذا الممر الحيوي، نلاحظ أنه سيكون له تداعيات كبيرة، على أصعدة عدّة أبرزها: سلوك ممر آخر، سيزيد تكاليف التصدير والإستيراد، والتأمين، وطول المسافات، وإطالة زمن مواعيد التسليم، ما بين 40 و60 يوماً، وستكون هناك تداعيات نقدية ومالية مباشرة على مصر بعد تقليص المرور عبر قناة السويس، التي تشكل مداخيلها منها، ما يُقارب الـ 10.2 مليارات دولار، أي ما يشكل جزءاً كبيراً من ناتجها المحلي.

 

من جهة أخرى، لا شك في أن هذه الضغوط في الحركة البحرية، ستؤثر أيضاً على أسعار مشتقات الغاز والنفط ومشتقاتها، التي ستنعكس بدورها سلباً على زيادة أسعار الإنتاج والسلع، وتؤدي إلى رفع نسبة التضخّم الدولي. أما لبنان فلا شك في أنه سيتأثر أيضاً جرّاء هذه التوترات في الملاحة البحرية، لكن جزءاً كبيراً من الإستيراد والتصدير، بما يخصّ لبنان، يمر عبر ممرّات أخرى، وخصوصاً عبر تركيا.

 

في المحصّلة، بعدما دفع العالم كلفة باهظة جرّاء حربه ضد جائحة كورونا، وقد بدأت بعض الدول تبلسم جروحها، وتستعيد الإستثمارات والإنماء في بلادها، وبعد التداعيات الكارثية على أوروبا، جرّاء الحرب الروسية – الاوكرانية، ها نحن اليوم أمام حرب جديدة من نوعها في الشرق الأوسط، حيث تدفع ثمنها المباشر، البلدان المعنية والمجاورة، وأيضاً العالم والحركة البحريّة والبريّة، فضلاً عن رفع نسبة التضخّم الجامح في الناتج المحلي. وعليه، لا شك في أن هناك مَن يدفع الثمن الباهظ، وأيضاً هناك أياد سود وخفيّة تلعب على الحبال، وتسحب البساط من تحت اقتصادات الدول المعنية، لأجندات مخفيّة حتى اليوم، وتقوم بضغوط مباشرة وغير مباشرة على بلدان وأنظمة عدّة.