IMLebanon

النظام و«داعش» كفّتان.. لميزان إجرام واحد

 

على طريق الإجرام والتنكيل بالشعب السوري واستخدامه كحقل تجارب لكافة أنواع الأسلحة وعلى رأسها السلاح الكيماوي بكافة فروعه وأصنافه القاتلة، يسير النظام السوري وتنظيم «داعش» في حصد أرواح مدنيين عُزّل، لا يمتلكون غير الأدعية والصلوات لتحول بينهم وبين آلات الفتك والموت. وأمام هذا الواقع الذي يُلاحق السوريين في كل مكان من هذا العالم، وأمام مشاهد الأطفال الذين تتناثر أجسادهم بفعل «براميل» الحقد والإجرام، وأمام هشاشة المؤتمرات التي تُعقد باسمهم، يتأكد في كل يوم أن نظام بشّار الأسد لا يُمكن أن يكون جزءاً من الحل السياسي في سوريا ولا يصلح لأن يكون طرفاً مفاوضاً، مثله مثل «داعش» الذي ينوب عنه في كثير من الأحيان، في ارتكاب الجرائم والتمثيل بالجثث وكأنهما خطّان مترابطان لا ينفصل إحداهما عن الآخر.

أمس، حمّلت لجنة التحقيق الدولية حول استخدام أسلحة كيماوية بسوريا، نظام الأسد مسؤولية استخدام أسلحة كيماوية في هجومه على مدينة «خان شيخون» في نيسان الماضي، والذي راح ضحيته أكثر من 100 مدني، وأصيب ما يزيد على 500 آخرين. وفي الموازاة، حمّل التقرير أيضاً، تنظيم «داعش»، المسؤولية عن استخدام غاز الخردل في الهجوم الكيماوي الذي وقع في بلدة «أم حوش»، في 16 أيلول 2016. ولعل اللافت الأبرز عند قراءة هذه التقارير، تدرّج رأس النظام في الإجرام من رتبة تلميذ في طبّ العيون، إلى حامل أرفع الشهادات في عمليات القتل والتدمير وارتكاب المجازر الجماعية، وأيضاً الصمت المُريب الذي يُمارسه حلفاء هذا «الطبيب»، والذي يحوّلهم في مكان ما، إلى شركاء إن عن طريق المساهمة الميدانية، أو من خلال غضّ الطرف عنها.

مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة نيكي هايلي، قالت في معرض تعليقها على التقرير: «ما رأيناه يؤكد ما كنا نعرفه منذ فترة طويلة. ومرة تلو الأخرى نرى تأكيداً مستقلاً على استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية». أمّا مثل منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية لدى الأمم المتحدة لوي تشاربونو، فقد اعتبر إن «هذا التقرير يجب أن ينهي النقاش بشأن من هم المسؤولون عن هجوم خان شيخون. لقد أظهر التقرير بوضوح أن الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيماوية في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي».

وعلى خط الاجرام نفسه والقتل المتعمّد، يُصرّ النظام السوري على محاصرة الغوطة الشرقية وأهلها، زارعاً الجوع والموت البطيء بين سكّان البلدة، على الطريقة التي تعامل بها مع حلفائه خلال حصارهم لبلدتي الزبداني ومضايا، ممارساً «فتوته» على الأطفال الذين انتشرت صورهم وهم على فراش الموت يكادون أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة من شدة الجوع وسوء التغذية. وأمام هذه المشاهد لا بد وأن تسقط كل بيانات وإدعاءات النصر «الإلهي» وتبرير عمليات القتل. أحد أبناء الغوطة الشرقية أطل امس على وسائل الاعلام داعياً النظام إلى «السماح له بإخراج طفلته هالة لتلقي العلاج خارج البلدة». وقد جاءت صرخته عقب مُحاصرة ميليشيات الأسد كل العيادات والمشافي الميدانية وإغلاقها الأنفاق التي كانت تُستعمل لإمداد الغوطة بالمواد الغذائية.

وعلى وقع استنجاد الوالد بكل قريب أو بعيد لإنقاذ حياة طفلته، نُقل عن عمال إغاثة ينشطون في الغوطة أن الحصار الخانق وضع الناس في الغوطة الشرقية «على شفا المجاعة». وقد أعلنت طبيبة الأطفال أماني بلور أن «الطفل الذي نعتبره طبيعياً في الغوطة هو الطفل الذي يصل وزنه للحد الأدنى على قياس الوزن الطبيعي. ليس لدينا أطفال أصحاء بشكل كامل. السبب الأساسي هو نقص الغذاء. هناك أطفال كنا نصنفهم معرضين لخطر سوء التغذية والآن يتم تصنيفهم على أنهم يعانون سوء التغذية من المستوى المتوسط أو الشديد». وبالعودة إلى الوالد المذكور أعلاه، فهو يؤكد أن «هالة غارت عيناها وشحب لونها وازدادت حالتها سوءاً خلال الأيام الأخيرة. وأخشى أن لا تصمد بسبب الحصار».

سنوات ست مضت من عمر الحرب السورية المجنونة في كافة جوانبها. الدماء ما زالت تنزف هناك والجوع يُحاصر الكبار والصغار. حلف لم يتعب بعد لا من قتل الأبرياء ولا من ازهاق أرواح عناصره على جبهات الموت ولم يمل من وعود «النصر» المُتكرّرة ولا من إطلاق شعارات برّاقة تتبدّل بحسب الزمان والمكان. أطفال الغوطة الشرقية اليوم، يُشبهون في حالتهم، أطفال حلب والزبداني ومضايا. يُشبهون الموت في الشكل والمضمون. أجساد نحيلة يُمنع عنها الغذاء والدواء تتهاوى منفردة في لحن يُشبه لحظات الوداع أمام دموع والد ووالدة لا حول لهما ولا قوة سوى الدعاء بأن يمد الله بعمر أطفالهم وأن يُلهم القتلة فك قيد الخناق والحصار عنهم. وامام مشاهد الألم وصور القهر، تسقط ورقة التوت عن حلفاء لم يستطيعوا تطويع الكبار، فأداروا سلاح الجوع نحو الأطفال. وعلى أمل العيش حتى يوم غد، خرج أهالي الغوطة أمس، بمظاهرة سلمية حملت عنوان» جمعة الأسد يُحاصر الغوطة»، مرددين شعار «لا جنيف ولا آستانة إلنا رب ما بينسانا».