Site icon IMLebanon

المنطقة من سيىء الى أسوأ … ولا انتخابات رئاسيّة

المنطقة كلها في خطر وتنطبق على حالتها كل الأوصاف: «فوق برميل بارود»، «على كف عفريت»، «على شفير الهاوية»، وبكل اسف لا مؤشرات على انفراجات وحلول.

كل ما يجري حولنا وفي محيطنا يدل على ان الأوضاع سائرة من سيىء الى اسوأ، وان الاوضاع تنبىء بإعادة صياغة المنطقة على اسس جديدة بعدما سقطت الحدود التي حددتها معاهدة سايكس بيكو، وبدأت تظهر ملامح كيانات طائفية ومذهبية وعرقية في سوريا والعراق واليمن وليبيا.

– المشهد الدولي والاقليمي

لم يكن من قبيل المصادفة ان تنهار المفاوضات ومشاريع الحلول السياسية مرة واحدة وفي وقت واحد في (سوريا والعراق واليمن) وتستعر المعارك من جديد وتتقدم المعالجات العسكرية على المبادرات السياسية وتتهاوى الآمال التي عُلّقت على مفاوضات جنيف الخاصة بالأزمة السورية ومفاوضات الكويت الخاصة بالأزمة اليمنية، وتعود لغة الحسم العسكري الى التداول في العراق وفي سوريا.

مرد هذا الانهيار الشامل يعود الى اسباب وعوامل عديدة لعلّ ابرزها اربعة:

– الأول: يتعلق بتعقيدات الأزمات الإقليمية والتي تتداخل فيها عناصر ومؤثرات ومصالح كثيرة، ما يجعل احتواء هذه الأزمات وتغليب المنحى السياسي على تطورها لم يعد ممكناً دون «معجزة» ودون عمل جماعي تشترك فيه كل الدول والقوى الدولية والاقليمية المعنية بالصراعات الدائرة في المنطقة والمؤثرة فيها.

– الثاني: له علاقة ببدء العد العكسي لنهاية عهد الرئيس الاميركي باراك اوباما ودخول الولايات المتحدة في المرحلة الانتقالية او ما يسمى «كوما» الانتقال من عهد الى آخر، حيث يحصل انكفاء اميركي عن كل الملفات ويحصل تجميد للقرارات والسياسات الخارجية.

من هنا فان المرحلة الأميركية الانتقالية الممتدة لسنة تقريباً، وهي المهلة التي تحتاجها عملية انتخاب الرئيس الأميركي الجديد وتركيز الإدارة الأميركية الجديدة لأوضاعها، ستكون فيها الأطراف الإقليمية المتصارعة متفلتة من الرقابة والضغوط الأميركية وستجد نفسها امام هامش اوسع للتحرك والإفادة من الوقت الأميركي الضائع لتحسين اوضاعها ونفوذها على الأرض بهدف تحسين قدراتها ومواقعها التفاوضية في المستقبل.

– الثالث: الصراع «الشيعي ـ السني» المتفاقم في المنطقة هو في احد اوجهه الرئيسية صراع «ايراني- سعودي»، من هنا فإن اي تقدم على صعيد لجم هذا الصراع وايجاد حلول للأزمات الإقليمية، ليس ممكناً الا من خلال حوار مباشر بين «طهران والرياض»، ولا مؤشرات تدل على حصوله في وقت قريب.

– الرابع: العامل الاسرائيلي، فاسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من كل ما حصل ويحصل في المنطقة العربية مما سمي «الربيع العربي» وهي التي تكيّف هذه التطورات وبمساعدة اميركية بما يتطابق مع مشاريعها لتفتيت المنطقة وتقسيمها الى دويلات طائفية ومذهبية متناحرة.

من هنا وبما ان منسوب الأخطار والتهديدات الى ارتفاع في المنطقة، فإن الخطر المحيط والمحدق بلبنان سيكون اقوى واشدّ في المرحلة المقبلة ولا سيما خطر الارهاب.

– انعكاس المشهد الاقليمي على لبنان.

بالرغم من كل ما تقدم نرى السياسيون في لبنان يعيشون على كوكب آخر فهم يتلهون ويلهون الناس بجدالات سياسية عقيمة، فتارة يتحدثون عن سيناريو قرب اجراء انتخابات رئاسية في لبنان، وعن مبادرات رئاسية وعن بوادر حلول رئاسية تلوح في الآفق ويضعون تواريخ لها، وتارة عن مفاوضات تجري بين عواصم دولية واقليمية لحلحلة هذا الملف وعن تفاؤل هنا وحذر هناك.

وامام هذا الواقع لا بد من القول اننا وبكل اسف امام امرين لا ثالث لهما اما ان تكون هذه الطبقة السياسية خادعة ومُضلِلة ومستهترة بعقول اللبنانيين، واما ان تكون مخدوعة ومُضلَلَة حتى لا نقول «غاشية وماشية».

هذه الطبقة الحاكمة تريد منا ان نصدق انها قادرة على الاتفاق على قانون انتخابات نيابي جديد، وان ورقة انتخاب الرئيس الجديد هو في يدها، وانها من تحدد هوية الرئيس وتوقيت انتخابه، فيما كل اللبنانيون يعرفون ان اغلبية هذه الطبقة مسيرة وليست مخيرة بسبب ارتباطاتها السياسية والمالية بدول اقليمية وخارجية متصارعة.

وهذا يعني وبكل وضوح وضع الملفات اللبنانية الاساسية وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية في «ثلاجة الانتظار» حتى تتبلور صورة ما ستؤول اليه التطورات والاحداث في المنطقة لا سيما في سوريا.

– حماية نهج الاعتدال ودعم الجيش والاجهزة الامنية.

وهنا وبدل ان يتلهى السياسيون بملفات واستحقاقات اكبر منهم، ليتهم يستشعرون الخطر الكبير الذي يحدق بالمنطقة ولبنان وينصرفون الى ما هو عملي وهادف و«على قدهم» وفي اتجاهين رئيسيين «سياسي ـ وعسكري امني»:

1-السياسي: تقوية وتعزيز سياسة الحوار والاعتدال وهذا ما يستدعي اولاً حماية نهج الاعتدال الذي يمثله «تيار المستقبل» وزعيمه سعد الحريري في هذه اللحظة الاقليمية والدولية الصعبة التي تمر بها المنطقة، بدل اتباع سياسة التشفّي والشماتة من قبل البعض وسياسة الانتقاد والتشكيك من قبل البعض الآخر.

المطلوب اليوم واكثر من اي يوم مضى اتباع سياسة واقعية تأخذ في الاعتبار مخاطر وتحديات المرحلة المقبلة ودور «تيار المستقبل» ومساهمته في احتوائها، وبالتالي ملاقاة سعد الحريري وتفهّم وضعه ومراعاته هو الذي «يمشي بين النقاط» لتجنب الفتنة «السنية- الشيعية» التي ستكون وبالاً وتحرق بنارها كل من يقف امامها وتهدم الوطن على رؤوس الجميع.

نعم… المطلوب احتضان سعد رفيق الحريري رجل الاعتدال وابن مدرسة قبول الآخر والذي يمارس قولاً وفعلاً هذه السياسة، اليس هذا ما فعله في انتخابات بيروت البلدية الاخيرة عندما اصر على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين؟ اليس هذا ما يفعله عندما يطالب دائماً بالمناصفة السياسية والعيش المشترك ؟

وفي هذا المسمى يلتقي سعد الحريري رئيس»تيارالمستقبل» مع نبيه بري رئيس «حركة امل» ويتكاملان في دور وطني لمحاولة منع الفتنة الطائفية والمذهبية في لبنان، ومن هذا المنطلق لفتت اوساط بري في معرض تقييم الانتخابات البلدية الاخيرة بالقول ان اعتدال سعد الحريري مطلب يتجاوز المناطق والطوائف في هذه اللحظات الاقليمية والدولية الصعبة …

ومن له اذنان سامعتان فليسمع.

2- العسكري – الامني: دعم الجيش اللبناني والالتفاف حوله وطنياً وتلبية كل احتياجاته لتعزيز قدراته وامكاناته. الجيش هو المؤسسة الضامنة للاستقرار والأمن والسيادة والحدود ولولا دوره وتضحياته وسهره الدائم مع باقي الاجهزة والمؤسسات الامنية والعسكرية لما كنا لننعم بما نحن فيه من استقرار وامان وسط محيط متلهب ومتفجر.

من هنا فان كل ما يهم المجتمع الدولي في هذه المرحلة الحساسة والخطرة التي تعيشها المنطقة هو المحافظة على الاستقرار والامن في لبنان، وحماية مؤسستين هما (الجيش اللبناني ومصرف لبنان) لأنهما في صلب الاستقرار ويشكلان «النواة الصلبة» في تركيبة الدولة. ولهذه الاسباب فان التعاطي الدولي مع هاتين المؤسستين صار مباشراً من دون المرور بقنوات وطرق تقليدية وبيروقراطية.

– تسوية شاملة او لا انتخابات رئاسية.

في الختام اقول لهذه الطبقة الحاكمة اهتموا بشؤون الناس وشجونهم اليومية والحياتية والمعيشية، واعيدوا النظر في ادائكم السياسي لا سيما بعد نتائج الانتخابات البلدية، تواضعوا وصارحوا هذا الشعب وقولوا له ان ارتباطاتكم الخارجية والاقليمية تمنعكم من انتخاب رئيس… فاما تسوية شاملة او لا انتخابات رئاسية.