مرة جديدة يكون البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في صدارة الاهتمام السياسي والاعلامي بمواقفه الجريئة وصراحته المعتادة. وهو الذي «بُح» صوته من المطالبة بوقف مهزلة الشغور الرئاسي وسعى جاهداً لإعادة الصفاء الى القادة الموارنة الاربعة وجمعهم اكثر من مرة في سبيل توحيد الصف المسيحي. وهو يكرر دائما مقولة انخراط الشباب المسيحي في الحياة السياسية وفي الاسلاك العسكرية والامنية وضرورة ولوجهم الادارات العامة من باب تعزيز الحضور المسيحي والمناصفة مع المسلمين وفق مقتضيات الدستور والميثاق الوطني.
هذه الصفات والمميزات الموجودة في شخص البطريرك الراعي يتفهمها الفريق الاسلامي في لبنان وخصوصا الثنائي الشيعي. وتحديدا حزب الله الذي يؤكد انه يحترم موقعية ومرجعية الراعي كأب روحي وطائفي للموارنة وهو من موقعه الكنسي والديني ينطلق للدفاع عن ابناء رعيته في لبنان والمشرق. وهو ايضا من مكونات لبنان الوطنية ومرجعية دينية وروحية على غرار كل رؤساء الطوائف الاخرى. فالعلاقة السياسية بين بكركي وحزب الله محكومة بالود المتبادل وبالصراحة والمكاشفة كما عبّر اخيرا الراعي عن «ود» خاص للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله واشاد بمصداقيته ووفائه بعد جلسة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وهو كان يعتقد اي الراعي انه لن يحدث و«مستحيل» ان يكون عون رئيساً كما اسرّ في مجلس خاص قبل انتخاب عون بأشهر.
العلاقة بين بكركي وحارة حريك تنظمها لجنة اسلامية – مسيحية وتجتمع دورياً وتنقل الرسائل بين الحزب ونصرالله والراعي وباقي الشخصيات الكنسية والدينية الوازنة والتي تدور في فلك بكركي والراعي. وهي علاقة وفق ما تصفها قيادة حزب الله انها «ودية» و«ندية» وفيها الكثير من «التفهم» و«التفاهم» مع الاقرار بوجود خصوصية لكل من الطرفين.
وبرز جليا هذا التفهم و«غض النظر» ابان زيارة الراعي الى القدس المحتلة والتي اخذت طابعا راعويا لكنها تحت «وصاية» وعلى مرأى من العدو ومرت الزيارة ومواقف الراعي «مرور الكرام» والتي اطلقها عن ميليشيا العميل انطوان لحد و«المبعدين» و«المضطهدين» قسراً واختيارياً داخل الكيان المعادي والمغتصب للارض منذ تحرير القسم الاكبر من الجنوب في العام 2000.
وداخل اروقة القرار في حزب الله رأي وانطباع، ان البطريرك الراعي نقل العلاقة مع حزب الله وسوريا وايران الى مرحلة متقدمة باشواط عن سلفه الكاردينال صفير الذي ابقى العلاقة جامدة مع حزب الله وسوريا وايران ومشهور «نداء الموارنة المطارنة» في العام 2000.
المواقف الاخيرة التي اطلقها الكاردينال الراعي في مقابلة متلفزة وتناول فيها سلاح حزب الله ودوره في سوريا وتوصيفه بأنه «ميليشيا» مسلحة وتشارك في السلطة والحكومة والبرلمان، لم تستفز قيادة الحزب «المعتادة» على ادبيات بكركي وتوصيفها لواقع السلاح وتدخل حزب الله في سوريا الذي كان اعترف الراعي نفسه يوماً ان لولاه لاجتاحت «داعش »جونية وكل لبنان. وتعتبر قيادة الحزب ان الراعي لم يعط «موقفاً» واضحاً او جازماً بخصوص رأيه «الحقيقي» بالحزب وسلاحه ومقاومته بل وصّف واقعاً واعطاه «تعابير» مخففة لكنها كافية في توقيتها لاحراج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ولاظهار موقف الرئيس على انه موقف «شخصي» ولا يلزم الدولة وكل اللبنانيين والقول ان سلاح حزب الله هو سلاح عليه انقسام لبناني وخصوصا دوره المحلي والخارجي وحتى بكركي لا توافق عون عليه. وهذا الامر وإن لم يظهر في الاعلام او في التصريحات السياسية فهذا برغبة وتوجه لدى حزب الله الذي لا يريد ان «يساجل» بكركي او يوتر علاقته «الجيدة» معها. كما لا يريد حزب الله ان يُسبب احراجا لحليفه عون وخصوصا في موضوع السلاح الشرعي والنظيف والشريف، والذي لا يختلف اثنان انه ضمانة للجميع وحماية للبنان من اخطار الصهيونية والتكفير وحمى القرى المسيحية كما القرى الاسلامية.
في الشق الثاني من تصريحات الراعي والتي حمّل فيها السلاح الفلسطيني والوجود الفلسطيني مسؤولية الحرب الاهلية اللبنانية وابقاء عناصرها مشتعلة بفعل هذا الوجود المسلح في المخيمات حالياً، اثارت نقزة حزب الله وحلفائه في 8 آذار وكذلك الفلسطينيين وخصوصاً انه صدر في توقيت مصيري ومفصلي من عمر القضية الفلسطينية المعرضة للتصفية والقضم. وفي ظل وجود اجواء لا توحي بالاطمئنان لدى العدو لشن حرب شاملة ضد غزة ولبنان وايران وبغطاء ومشاركة اميركية. وهذا الكلام وان كان توصيفياً او تحليلياً او «مطلوباً» من الراعي غربيا واميركيا وسعوديا، يتطلب لقاءات بين الراعي وحزب الله وبين الراعي وعون للوقوف على مدلولاته ومغازيه وتوقيته، وهو الامر الذي تراه قيادة حزب الله سيحصل بعيداً من الاعلام ولسحب اي ذريعة لفتح سجال ليس وقته او محله بين بعبدا وبكركي وحزب الله.