عاد التوتّر السياسي إلى سابق عهده بين المختارة وقصر بعبدا بعد هدوء «عاصفة البساتين»، وما رافقها من لقاءات وأجواء اتّسمت بالإيجابية، لا سيما الزيارة الجنبلاطية العائلية إلى المقرّ الرئاسي الصيفي في بيت الدين، ومن ثم زيارة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط إلى اللقلوق ولقائه وزير الخارجية جبران باسيل، لتعود مجدّداً الخلافات على خلفية اعتقال بعض ناشطي الحزب التقدمي الإشتراكي، وصولاً إلى قضايا أخرى، أدّت إلى هذا التشنّج وعودة الأمور إلى المربّع الأول.
وفي هذا الإطار، تشير مصادر قريبة من الحزب التقدمي الاشتراكي للعلاقة الجنبلاطية ـ الإرسلانية، إلى أن رئيس الحزب الإشتراكي لم يوفّر فرصة إلا وأبدى رغبة إيجابية تجاه العهد منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وفي اللقاء العائلي الأخير في بيت الدين، تُرجم هذا الإنفتاح بزيارة نجله تيمور إلى دارة الوزير باسيل في اللقلوق، على الرغم من أنها لم تحظَ بالشعبوية الدرزية والإشتراكية، وبالتالي، هذه الزيارة جاءت مباشرة بعد أحداث البساتين، إنما وخلال اللقاء العائلي بين جنبلاط ورئيس الجمهورية، تمنى العماد عون أن يكون هناك تواصلاً وتنسيقاً بين رئيس «اللقاء الديمقراطي» ورئيس «التيار الوطني الحرّ»، وهذا ما حصل، ليفاجأ الجميع بعد أيام قليلة بانعقاد لقاء في دارة وزير المهجرين غسان عطالله في معاصر الشوف، وبحضور النائب طلال إرسلان والوزير صالح الغريب ونواب كتلة «ضمانة الجبل»، وهذا اللقاء حقّ مكتسب، تتابع المصادر، ويأتي في سياق اللعبة السياسية الديمقراطية، إذ يحق لأي مكوّن سياسي أن يفعل ما يشاء لأن الجبل ليس مطوّباً للحزب الإشتراكي أو لسواه، ولكن تقول المصادر نفسها، أن هذا اللقاء جاء بمثابة «زكزكة» لوليد جنبلاط عبر بيان عرض لشؤون التنمية والإنماء وعودة المهجرين وما سوى ذلك، إضافة إلى أن وزير المهجرين يحمل بعنف على أداء وزراء المهجرين السابقين، وينتقد العودة وكل ما يرتبط بها بصلة، لا بل أنه من الذين ادّعوا أن هناك مخاوف لدى المقيمين المسيحيين، الأمر الذي ترك استهجاناً حول هذا الأداء والمواقف التي لا تساهم أو تساعد في التقارب والتواصل والتنسيق بين الحزب الإشتراكي و«التيار الوطني الحر».
كذلك، تابعت المصادر نفسها، فإن معظم وزراء ونواب «التيار الوطني»، يقدّمون كل الدعم والخدمات لحلفائهم في الطائفة الدرزية، من خلال محاولات تصب في خانة التدخّل في شؤون الطائفة، ومحاولة تحجيم رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط، ما يؤكد أن هذه النوايا تترك أكثر من علامة استفهام حول تلك التصرّفات التي لا تنسجم أو تتطابق مع الدور الذي قام به جنبلاط من أجل الحفاظ على وحدة الجبل واستقراره وإنمائه.
وتخلص المصادر ذاتها، مشيرة إلى أن مسألة التعيينات الإدارية هي أيضاً موضع تدخل من قبل «التيار الوطني الحر»، وعلى أعلى المستويات، لدعم حلفائهم، خارجين بذلك عن الميثاقية الدرزية حيث تصب في صالح المختارة، وهذا ما أفرزته الإنتخابات النيابية الأخيرة، ولا سيما أن جنبلاط هو الأقوى درزياً، كما سواه في الطوائف الأخرى، مما يسبّب أزمات إضافية بين المختارة وبعبدا.
وأخيراً، فإن المصادر عينها، ترى أن العلاقة بين المختارة وبعبدا، هي موضع معالجة كي لا تتفاقم الأمور، وقد يدخل رئيس الحكومة سعد الحريري على خط التهدئة، لا سيما وأنه مقرّب من الطرفين، ولكن ما جرى من توقيفات لبعض ناشطي الحزب الإشتراكي، فذلك ولّد هوّة كبيرة، وأضحت العودة إلى أي تواصل وتنسيق صعبة المنال، خصوصاً أن ثمة نهجا مختلفا سياسياً بين الفريقين أكان على المستوى الداخلي، أو على الصعيد الإقليمي، وهذا أيضاً عامل إضافي لهذه الخلافات.