يوماً بعد آخر، تشهد العلاقة بين تيّار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي في إقليم الخروب تصدّعاً، من دون أن تنهار كلياً. الخلاف السياسي بين الحزبيْن واختلاف وجهات النظر بين وليد جنبلاط وسعد الحريري، زادا في حدة الخلاف المعتاد بينهما على «تبنّي» المشاريع الإنمائية في المنطقة، وإن جرت العادة على عدم تظهير هذا الخلاف إلى العلن. فهنا، كان الرئيس رفيق الحريري «يحسب حساب» خطواته لعدم إزعاج النائب السابق وليد جنبلاط، تماماً كان الأخير يفعل في عهد الحريري الأب ثم الابن، أو على الأقل هذا ما كانت تبدو عليه الأمور في العلن. أتقن الحليفان موازنة العلاقة في ساحتهما المُشتركة. لطالما اختلفا في السياسة وانعكس خلافهما فيها، غير أن «شعرة معاوية» بقيت دائماً تربط بينهما على أرض إقليم الخروب، ليخوضا الانتخابات البلديّة والنيابية معاً و«زي ما هيي».من يعرف جيداً العلاقة بين حليفَيْ مرحلة ما بعد الطّائف يُدرك أنّ خطها البياني لم يكن يوماً ثابتاً، بل شابها الكثير من «الطّلعات والنّزلات» والتزاحم على تبنّي المشاريع الخدماتية والإنمائيّة. ففي كلّ محطّة، تقارع الطرفان على طُرقات الإقليم وفوق بناه التحتيّة. وبعدما كان هذا يحصل سابقاً في «العتمة»، صار «الغسيل» اليوم يُنشر على منصة «إكس»، كما في هجوم النائب بلال عبدالله على ابن بلدته النائب السابق محمّد الحجّار.
انتقادات عبدالله العلنيّة لـ«المستقبل» تنتهي بالتهدئة
أوّل الغيث كان خلاف الحزبين في انتخابات نقابة الأطباء، والذي وصل إلى هجوم عنيف شنّه عبدالله ضد الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، قبل أن ينتقل الخلاف إلى صيانة الطرقات. استفزّت عبدالله زيارة قام بها الحجّار أخيراً إلى وزير الأشغال العامّة علي حميّة، وإعلانه أنه اتّفق مع الأخير على صيانة عدد من الطرقات. بعد ساعات، ردّ عبدالله بنشر بيان لهيئة الشراء العام يتضمّن المناقصات العموميّة للتلزيم وفضّ العروض الخاصة بصيانة هذه الطّرقات، موجّهاً انتقادات لاذعة إلى من «يزايد ويسابق على إنجازات لم تتحقّق بعد».
المبارزة بين الطّرفين انعكست احتقاناً عند الجمهوريْن، خصوصاً بعدما اعتُبر أن ما يقوم به عبدالله ليس «من عندياته» ولا محاولة لإثبات حضوره على ساحة شحيم، ولا حتّى بسبب خلافات شخصيّة بين الرّجلين، وإنّما بقرارٍ من «المختارة» تمهيداً لإدارة الظّهر لـ«التيّار الأزرق» وفكّ الحلف الاستراتيجي بين الحزبيْن، بعدما وجد «الاشتراكي» في الجماعة الإسلاميّة، بعد «طلعتها» الأخيرة، شريكاً سنياً محتملاً في الانتخابات النيابيّة، خصوصاً أن الانتخابات السابقة أظهرت أنها «تقبض» على 5 آلاف صوتٍ في الإقليم. ويُضاف إليها اليوم جمهور الثنائي الذي يملك أكثر من ألفي صوت في القرى الشيعيّة في الإقليم (جون والجيّة والوردانيّة..)، بعد مواقف جنبلاط الأخيرة المؤيّدة للمقاومة.
اتفاقٌ على التهدئة
رغم ذلك، تؤكد مصادر الاشتراكي عدم صحة «هذه النظريّات»، مشيرة إلى أن المساعي لقلب صفحة خلاف عبدالله – الحجّار تؤكد أن التحالف بين الحزبين قد يهتز على وقع الاشتباكات السياسيّة والإنمائيّة، لكن لم يحن أوان وقوعه. وتستدل على ذلك باللقاء الأخير بين رئيس «الاشتراكي» النائب تيمور جنبلاط وأحمد الحريري، في كليمنصو، أول من أمس، واللذيْن شدّدا على «التوحد ضد العدوان الإسرائيلي المستمر وإدانة الجرائم المرتكبة في غزة وجنوب لبنان»، لافتيْن إلى «أهمية توفير كل دعم ممكن للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في هذه اللحظة التاريخية الدقيقة».
وعلمت «الأخبار» أنّ اللقاء استعرض علاقة الطرفين في إقليم الخروب، والهجوم الدائم من قبل عبدالله على «المستقبل»، واتفقا على التهدئة، خصوصاً أنّ «التباينات في هذا الوقت الحساس تضرّ بمصلحة الطرفين»، على أن تبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة خطوات عملانيّة للتهدئة وتشديد أواصر التّعاون والتواصل بين مسؤولي الطرفين لترميم العلاقة، وهو ما عمّمه الطرفان على مسؤوليهما في المنطقة.