تشهد جبهة الصراع بين “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحر” هدوءا لم تعتده منذ فترة طويلة. فالتفاهم الانتخابي في نقابة المهندسين، والذي اثمر انتصارا لهما، ومن بعده تغطية العونيين لجلسة التمديد للمجالس البلدية والاختيارية الذي اراده حزب الله و”أمل” بشدة، يؤكدان ان العلاقة بين الطرفين سلكت مسارا جديدا، بعدما ثبت لهما ان مصلحتهما تقتضي بالتلاقي، ما قد يؤدي عمليا لاعادة احياء تحالف مار مخايل، ومعه تحالف حليف الحليف بين “الوطني الحر” و”أمل”.
ويبدو واضحا ان هناك تعليمات حاسمة للنواب والمسؤولين الحزبيين كما لجمهوري الطرفين، بوقف كل انواع التراشق الاعلامي كما على وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك ترى هجوم جمهور “الثنائي” كما الجمهور العوني يركز منذ فترة على استهداف حزب “القوات” بعدما أبدع الجمهوران في الآونة الاخيرة بمهاجمة بعضهما البعض بحملات اتخذت اشكال وانواع شتى.
وبحسب مصادر سياسية معنية، فان “الثنائي الشيعي” أيقن ان الاستمرار بعزل التيار ومواجهته، ادى عمليا لتزايد نفوذ “القوات”” في الشارع المسيحي، وهذا ما لا يشكل مصلحة على الاطلاق له، كما انه اكتشف ان ترك رئيس “الوطني الحر” في منتصف الطريق سيعني تقربه من الفريق الآخر، وهو ما حصل عمليا في الاستحقاق الرئاسي. وتشير المصادر الى انه “تقرر استيعاب باسيل اكثر سواء من قبل حارة حريك او عين التينة، خاصة وان الطرفين لا زالا يعولان على تحول بموقف باسيل بما يتعلق بالرئاسة، وبالتحديد على سيره بترشيح رئيس “المردة” سليمان فرنجية في مرحلة من المراحل، تماما كما عاد وسار رئيس “القوات” سمير جعجع بترشيح الرئيس السابق ميشال عون بعد عامين ونصف على الشغور”. وتضيف المصادر “يبدو ان التعويل هو على انه حين يستشعر باسيل انه بدأ يتبلور اتفاق خارجي على ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، يقوم بقلب الطاولة ويقرر السير بفرنجية، باعتبار انه اصبح واضحا انه يتعاطى مع خيار فرنجية كخيار سيىء ومع عون كخيار أسوأ، وبين السيىء والأسوأ قد يقوم باختيار ما يراه سيئا في حال وصول مساعي تسويقه لمرشح ثالث الى حائط مسدود”.
بالمقابل، ورغم الهجومات الشرسة التي شنها رئيس “الوطني الحر” على “الثنائي الشيعي” طوال الفترة الماضية، سواء على خلفية ملف الرئاسة او العمل الحكومي ومؤخرا فتح جبهة الجنوب لدعم غزة، يبدو انه قرر استيعاب هذه الخلافات مجددا والعودة لمعالجتها بعيدا عن الاضواء، ومصوبا كل سهامه باتجاه معراب مع استفحال الصراع على الزعامة المسيحية، وبخاصة بعد استشعاره ان جعجع بات يحظى بتأييد واسع في المجتمع المسيحي لم يشهده من قبل.
ولا يجد باسيل صعوبة بتجاوز خلافاته الكبيرة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رغم ان العلاقة بينهما قاربت العداء السياسي وليس مجرد الخصومة، طالما انه اقتنع ان مصالحه العليا تتطلب هكذا تلاقي، وبخاصة بعدما اختبر عشرات المرات ان حزب الله مستعد ليتركه في منتصف الطريق ، في حال تعين عليه الاختيار بين حلفه مع بري وحلفه مع باسيل.
بالمحصلة، هي مرحلة جديدة دخلتها العلاقة بين الطرفين اللذين سيكون عليهما تجاوز الكثير من المطبات. وفيما يعتقد البعض ان العلاقة ستتداعى مجددا عند اول مطب، نظرا للشرخ الكبير الذي بات بينهما والعداء المتحكم بجمهوريهما، يرجح آخرون ان تصبح امتن مع مرور الوقت بعد الاختبارات العديدة التي خاضاها بوجه بعضهما البعض، وثبت لهما ان لا مصلحة لهما بالطلاق انما بالعودة الى “مؤسسة الزواج”، ولو على مضض!