تبدل المشهد الداخلي كثيرا منذ ٧ تشرين الاول، فحرب غزة فرضت إيقاعها وأسقطت الحواجز، وحصلت انفراجات في العلاقات السياسية والشخصية من خارج سياق التشنج السابق، على شكل” ميني” هدنة لمواكبة الحرب وتحصين الوضع الداخلي، انطلاقا من ضرورة الالتفاف حول المقاومة وتغليب المصلحة الوطنية، مع الحفاظ على الموقف الرافض الانجرار الى حرب يتورط بها لبنان. وأكثر التحولات ظهرت على هامش التعازي بوالدة قائد الجيش العماد جوزف عون بتوافد المعارضين للتمديد له، ومن انتقدوا أداءه في المؤسسة العسكرية، مهما اعطيت تفسيرات تتعلق بالواجبات الإجتماعية.
في قناعة العديد من السياسيين، ان ما قبل ٧ تشرين لا يشبه ما بعده، وهناك تحولات في لبنان والمنطقة تفترض التنسيق والتعاون بين الجميع والوقوف الى جانب حزب الله، على ضوء تهديدات العدو الاسرائيلي بتدمير لبنان.
الوضع الخطير جنوبا، كان ألزم القوى السياسية” الموافقة والمعترضة” منها على إقرار التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون نهاية العام ٢٠٢٣، بعد جولة من الاشتباك السياسي حوله وممانعة التيار الوطني الحر، الأمر الذي ترك ندوبا وتأثيرات على علاقة التيار بحزب الله بعد جلسة التمديد، حيث بقي فيها التيار الوطني الحر وحيدا تقريبا بمعارضة وطعن التمديد، بعد ان وفر حلفاء التيار نصاب الجلسة، الامر الذي لاقى استياء عبّر عنه التيار لحليفه حزب الله، لكن من دون ان تقع او تهتز العلاقة يينهما، مثلما كان يحصل في الماضي لدواع وأسباب كثيرة، كما يقول المقربون من الطرفين، الذين يؤكدون ان ما يحصل جنوبا لا يحتمل توتير الأجواء والدخول في توترات لا ترتقي الى مستوى وخطورة الوضع، ولذلك فان العلاقة بين ميرنا الشالوحي والضاحية مستقرة اليوم، على الرغم من عدم موافقة التيار على عدد من المسائل، والتحفظات التي تحدث عنها في مرحلة سجال التمديد.
برأي المتابعين، فان الهدنة التي فرضتها الحرب لا تزال سارية المفعول حتى اليوم، فالتيار وضع سلم أولويات وقواعد للعمل السياسي، بوقف الإشتباك السياسي وصياغة علاقة لا مكان فيها للخلاف والقطيعة، على غرار ما كان يحصل في الماضي، فالتيار مساند والى جانب حزب الله والجنوبيين في المواجهة، ويتواصل مع الحزب من خلال غرفة عمليات مشتركة لمتابعة حركة النزوح من المناطق الحدودية، ويهمه تأكيد وقوفه الى جانب حزب الله وإثبات انه حليف إستراتيجي وثابت في الأزمات، كما فعل في حرب تموز ٢٠٠٦ على الرغم من التحولات السياسية.
إلا ان الاستمرار بمؤازرة الحزب ومساندته يخضع لمواصفات برأي التيار، منها التزام المقاومة قواعد الاشتباك ومراعاة الوضع اللبناني أولا، ومنع الفصائل الفلسطينية من استخدام لبنان “منصة” لإطلاق الصواريخ، لتحييد لبنان عن الانغماس في الحرب التي تريدها “اسرائيل”، فعلاقة الحزب والتيار تخضع اليوم لتوازنات معينة، ويهم التيار ان يتجنب المزيد من “الخيبات” التي تؤثر على وضعه وحيثيته المسيحية، وعدم تعريض لبنان للحرب وتفادي توتير علاقته بالدول العربية والعواصم الإقليمية.
وعلى الرغم من صدور تحفظات من جانب التيار بعد التمديد لقائد الجيش، فان المخاوف من الحرب تحكم العلاقة بين الحليفين، فالعلاقة جرى شحنها بعناصر الطاقة الإيجابية، والاتصال الآمن بين رئيس التيار وسماحة السيد بداية الحرب يثبت انهما حليفان في المحن، وان الظروف التي باعدت باسيل عن حزب الله بسبب رئاسة الجمهورية ودعم الثنائي الشيعي لسليمان فرنجية، جرى تخطيها لتمرير المرحلة.
من جهة حزب الله، لا مجال لمسايرة أحد او المساومة في موضوع المعركة مع “إسرائيل” او أي ملف يتعلق بعمل المقاومة وسلاحها، لأن المس بهذا المبدأ يتعلق بوجوده وعمل المقاومة في لحظة مصيرية من الصراع مع العدو، وبالمقابل فان التمايز مسموح ومقبول في القضايا الداخلية فقط، من دون التعرض لثوابت المقاومة.