IMLebanon

الأسرى المحررون يتجاوزون «صدمة» الفاخوري: لن نرفع الراية البيضاء

 

 

لم تستوعب البلاد حتى الآن فضيحة إطلاق سراح العميل للعدو الإسرائيلي عامر فاخوري عبر إخراج قانوني عقيم يشي بهشاشة الدولة اللبنانية لا بل اهتراؤها. لكن، بعد الفشل في منع تهريب العميل في «جيش لبنان الجنوبي»، لم ييأس الأسرى المحررون من متابعة القضية واستئناف المعركة للاستحصال على حقهم وحق الوطن في القضية.

 

يدرك الأسرى صعوبة الأمر ومنعرجاته في الوقت الذي يواجهون فيه مافيا قضائية وسياسية وأمنية، يوجهون إليها أصابع الاتهام في تغطية عملية إطلاق الفاخوري. لكنها معركة لا بد منها. وبعد ساعات على تهريب العميل، سارع الأسيران المحرران سهى بشارة ونبيه عواضة الى تقديم شكوى أمام النيابة العامة التمييزية بواسطة وكيلهما القانوني المحامي حسن بزي. هي المرحلة الثانية من الحرب لم يرفع خلالها الأسرى الراية البيضاء برغم مرارة ما حصل، وقد وُجهت الشكوى ضد كل من يظهره التحقيق من السياسيين وقضاة المحكمة العسكرية والقادة الأمنيين بجرائم المس بهيبة وكرامة الدولة اللبنانية والتآمر مع دولة أجنبية وخرق سرية المذاكرة ومخالفة قرار قضائي بمنع السفر ومخالفة قرار مجلس الوزراء بإقفال المجال الجوي اللبناني.

 

وإذا كان العنوان يتمثل بـ«قضية إسقاط دعوى الحق العام عن العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري وتهريبه بطوافة عسكرية أميركية»، إلا أن الأمر يختزل معركة من نوع آخر مع سلطة قضائية وسياسية وأمنية حاكمة في البلاد، ستجري على مراحل في الوقت الذي لن يقبل فيه هؤلاء الحجج التي قُدمت لتهريب الفاخوري وهم خاضوا المعركة من دون كلل مع محامييهم حسن بزي ومعن الأسعد.

 

عواضة: مرور الزمن باطل

 

والواقع أن قرار رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبد الله بتنحيه عن منصبه، لم يخفف الغضب، لا بل قرر الأسرى بعد ساعات من قرار عبد الله، ملاحقة القضية حتى الأخير منعا له من الإفلات بفعلته وملاحقة من وقف وراء عملية الإخراج والتهريب.

 

ويستند هؤلاء الى ثغرات كبيرة شابت قضية إبطال التعقبات في حق الفاخوري ومن ثم تهريبه عبر السفارة الأميركية في خرق فاجر للسيادة اللبنانية. ومنذ أن وطأ الفاخوري الأراضي اللبنانية في أيلول الماضي في تحد سافر للبنان، شرع الأسرى المحررون في محاولة تطويقه بتحركات في الشارع للضغط في سبيل اتخاذ العدالة مجراها، وبرفع دعوى مدنية في حقه تواكب الدعوى العسكرية التي أوقف بسببها.

 

وإذا كانت ظروف دخول هذا العميل الى الأراضي اللبنانية ومن ثم توقيفه، قد باتت معروفة للجميع، فإن قرار إبطال التوقيفات قد فاجأ المعنيين بالقضية الى حد الصدمة.

 

على أن قرار الإطلاق جاء بناء على استنفاد مهلة التوقيف أو ما يعرف بالسنة العشرية والتي تم الاستناد إليها للقول بأن مهلة محاكمة الفاخوري قد بطلت بفعل الزمن، بعد أن صدر قرار التوقيف في العام 2006 ومضت عليه السنوات العشر علما أنه قيل بتركه معتقل الخيام حيث خدم، في العام 1996.

 

ويفند عواضة لـ«اللواء» هذا التبرير بالتأكيد أن الفاخوري لم ينته عمله في سجن الخيام في العام 1996، بل في العام 1998 «وقد شاهدته بنفسي قبل خروجي من المعتقل كما أنه قام بنفسه بإخفاء الأسير علي عبد الله حمزة حسب كل الشهادات، والأخير لا زال مختفيا». لكن الأهم أن العميل لم يختم عمله مع الاحتلال الاسرائيلي وفي ظل جيش انطوان لحد، بل هو انتقل الى إمرة الجهاز 504 حتى العام 2000 وتم إبلاغه بانسحاب جيش الاحتلال في 23 أيار، أي قبل يومين من تنفيذ هذا القرار وهو ما يشير الى أهميته لدى الإسرائيليين.

 

ويضيف أن الفاخوري «تابع عمله الأمني في الأراضي المحتلة حتى شهر تموز من العام 2001، حين غادر الى الولايات المتحدة الأميركية في التاسع منه بجواز سفر إسرائيلي كونه حاصل على الجنسية الاسرائيلية».

 

يستند عواضة الى اعترافات الفاخوري، والشهادات وتأكيدات من الأمن اللبناني حول المراحل التي مرّ فيها الفاخوري في خدمة الاحتلال. وفي موازاة ذلك، كان الأسرى المحررون قد رفعوا دعوى ضد الفاخوري أمام القضاء المدني. ومع إقفال المحكمة العسكرية للملف بعد أن أدين بتهم وصلت إحداها الى الإعدام، وبما أن التمييز فيه لا يمنع إطلاق سراح المتهم الى حين البت بالتمييز، إستحصل الأسرى المحررون على قرار من قبل قاضي الأمور المستعجلة في النبطية القاضي أحمد مزهر بمنع السفر عن الفاخوري.

 

شكل ذلك محاولة أخيرة لتطويق العميل والحؤول دون تهريبه «فأميركا تخشى دعاوى كهذه كونها تحمل قوة المكان حيث ارتكب الجرم».

 

تعبئة الوقود!

 

عمّم الأمن العام اللبناني القرار وأقفل الحدود اللبنانية براً وجواً وبحراً، لكن ذلك لم يمنع طوافة أميركية من التسلل الى مقر سفارة بلادها تحت عنوان «تعبئة الوقود» كما يشير عواضة، الذي يلفت الى ان الفاخوري ليس ديبلوماسيا وفي حقه قرار قضائي، ويعتبر أن عملية نقله كما جرت قبل يومين تشكل إهانة للقضاء اللبناني وتطعن بمصداقيته.

 

اليوم، وبعد ما حدث، سيتابع الأسرى القضية حتى النهاية. فهم لم يملّوا، يشيرون الى تواطؤ حصل وتلاعب من قبل «رسميين» بهذا الملف الخطير. يُحمّل عواضة مسؤولية ما حصل الى المراجع كافة في ظل حالة تسيّب غير مسبوقة وانتهاك صارخ من قبل الأميركي للسيادة اللبنانية.

 

تأتي شكوى الأسرى في هذا الإطار. يأمل هؤلاء بأن تكشف هذه الخطوة عار ما حصل وكل من تورط به سياسياً وقضائياً وأمنياً. «لا زال القضاء هو الملاذ الوحيد ولا زال في لبنان قضاة يتمتعون بالنزاهة ونريد إعادة الاعتبار لهذا القضاء»، لافتا الى «أننا سنكشف ماهية الضغوطات الاميركية التي حصلت منذ اللحظة الأولى وضغوطات سياسيين في القضية وسنُخضع كل متورط ومتواطىء وشريك، العميل ليس فقط بشخصه، بل من يدعمه أيضاً عميل».

 

والحال أن المسألة ليست فقط شخصية مع الفاخوري، هو يختصر قضية كيفية التعامل مع العدو لمنع عودة هذا النوع من المتعاملين الى البلاد وتعريض أمنها للخطر. ذلك أن تبرئة الفاخوري بمرور الزمن ستشكل سابقة لتبرئة من تورط بجرائم ارتكبتها إسرائيل في الماضي، لذا سنستمر بملاحقته وهو في أميركا.

 

وإذ يسأل عواضة عن موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، بلغت النقمة عند «هيئة ممثلي الأسرى المحرّرين» الى المطالبة بإقالة ومحاكمة «كل من شارك في هذه الخيانة الكبرى وأولهم القاضي حسين عبد الله ومن ثم القاضي شادي نحلة، القاضي هيثم الشعار، القاضي الياس أبو رجيلي، القاضية ليلى رغيدي، وقائد الجيش جوزيف عون»، حسب بيان أصدرته بعد قليل من إعلان عبد الله تنحيه. وتوجهت الى الرئيس عون ورئيس الحكومة حسان دياب ووزير الخارجية السابق جبران باسيل، سائلة عن السيادة الوطنية المُنتهكة.

 

على أن كل هذا السخط لا يمنع عواضة من اختتام حديثه بتهكم مرير من وحي ما حصل: قد يظهر الفاخوري، المريض وغير القادر على الحركة والذي يُعاني من الهذيان، قريباً إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو يبتسم لنا وفي كامل نشاطه!