Site icon IMLebanon

دريان: لا تهاون في المسّ بالشراكة

 

إنكشفت أوجه الصراع الملتبس بعد قرار دار الفتوى ضبط الخطاب الديني ومنع التحريض الطائفي ومواصلة الدعم للقضية الفلسطينية ورفض الخلط بين المسألتين، فقد أعلن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ودار الفتوى رفض أي موقف يؤدي إلى الفتنة بين اللبنانيين وأنّ «المصلحة الإسلاميّة العليا والوحدة الوطنيّة والعيش المشترك، هما الأساس في التّوجه العام لدار الفتوى ومؤسّساتها والعاملين فيها» كما أعطى المفتي توجيهاته باستمرار خطباء الجمعة بإعلان الدعم للقضية الفلسطينية.

 

حاول البعض تصوير قرار ضبط الخطاب الديني ومنع التطاول على المرجعيات الدينية والحزبية المسيحية واعتبار الطعن بها جزءاً من دعم القضية الفلسطينية، وهو الإشكال الذي أثاره خطاب وسلوك الشيخ حسن مرعب على مدى الأشهر الماضية متحدثاً بصفته الرسمية كمفتش مساعد في دار الفتوى متطاولاً على البطريرك بشارة الراعي وعلى رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والنائب أشرف ريفي وآخرين بأسلوب تجاوز سقف النقد المقبول.

 

بعد قرار دار الفتوى منع موظفيها من التصريح في السياسة رفض الشيخ مرعب عملياً هذا القرار وأعلن أنّه متمسك بمواقفه في دعم القضية الفلسطينية مصرّاً على هذا الدمج المشبوه بين دعم غزة وحماس وبين تخوين خصوم «حزب الله» في لبنان، لكن ما كان يجري مسكوتاً عليه أصبح الآن خارج مظلة دار الفتوى ولم يعد ممكناً استغلال المنصب الإداري الديني لإطلاق التشهير والإساءة للعلاقات الإسلامية المسيحية.

 

لجأت «القوات اللبنانية» إلى التواصل المباشر مع المفتي دريان من خلال زيارة النائب غسان حاصباني لمعالجة الإشكاليات التي تسيء إلى العلاقات بين اللبنانيين، وكان التخاطب تشاورياً للوقوف عند رأي المفتي دريان، وحسب القائمين على خطوط الاتصال مع الدار، فإنّ المسألة تُركت لحكمة المفتي دريان الحريص على ثوابت الشراكة الوطنية…

 

ولـو أنــّه جـرى تصـوير الأمــر على أنّه غلبــة قواتيـــة على قرار دار الفتوى بالتـــوازي مع حملة إساءات وتشويه كشفت مدى الإحباط الذي أصاب المتضررين من قرار ضبط الخطاب الديني الذي صدر بتوازن دقيق يحفــظ حرية الرأي ويمنع التجاوزات. إنّ القرار الصادر عن دار الفتوى يأتي في الإطار السيادي الذي تتمتع به الدار لضبط العمل الوظيفي كما هي الحال في كلّ الوظائف ذات الخدمة العامة، سواء كانت دينية أم مدنية، فليس معقولاً أن يذهب كلّ موظف مذهبه الخاص ويطلق العنان لآرائه الشخصية وهو في موقع رسمي ديني إداري حساس أو حتى في موقع علمائي على أي منبر من المنابر.

 

وكما أنّ هناك ضوابط في الوظائف العامة وحتى في عدد من النقابات تمنع الولوج في العناوين الخلافية والصراعات السياسية، كذلك الأمر في دار الفتوى، وإذا كانت مساحة التعبير عن القضايا الوطنية والعربية والإسلامية متاحة، بل وبتوجيهات من سيد الدار، كما هو حال التوجيه الأخير بتخصيص خطب الجمعة للتضامن مع أهلنا في فلسطين، فإنّ استغلال هذه القضية للتحوّل إلى نشر الفتن الطائفية أمرٌ لا يمكن السكوت عليه إطلاقاً.

 

مارس مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان سياسة الاحتواء، لكن عندما وصل الضرر إلى الحياة الوطنية، فإنّ سيد الدار يأخذ بصدره هذه التحديات ويضع حداً للفوضى التي كانت سائدة من مرحلة التدخلات السياسية السابقة في المؤسسة الدينية، في الوقت الذي يعمل فيه على إعادة بناء المؤسسات، مع استئناف ملء الشواغر في المواقع الإدارية والدينية ومنها تعيين الشيخ بلال بارودي أميناً للفتوى في طرابلس لتبدو معالم الإصلاح مبشِّرة في المرحلة المقبلة.