تحوّل الحراك في الشارع من حركة مطلبية أساسية تعبر عن تفاصيل مهمة من حياة الشعب اللبناني، إلى حركة إستغلالية تقوم على شعارات فضفاضة أكل الدهر عليها وشرب ولم تجر على البلد في الأصل سوى الخراب والويلات، تتخذ من المطالب الشعبية واجهة للإطلالة من خلفها بعدما نبذها الزمن ورماها خلفه مع خروج آخر عسكري يتبع لامرة نظام الوصاية السورية من لبنان.
بقايا يسار الوصاية السورية وعلى رأسهم مَن تبقى من الحزب «الشيوعي»، قرروا استغلال المطالب الشعبية والسطو على التحركات في الشارع لصالح اجندات معروفة ما زالت ترى في لبنان بلدا غير قابل للحياة ولا للتطوير وتريد له ان يبقى تابعاً لا مستقلا والعودة به الى زمن التقاتل والتناحر وتقسيمه الى مناطق على احجامها.
وجد «يسار« الوصاية السورية في تحركات الناس العفوية منفذاً جديداً للعودة إلى الظهور في شارع سبق ان لفظهم اكثر من مرّة، رافعين شعارات خارجة عن المألوف العام ومستبدلين الدعوات الى حل ازمة النفايات بمطالب اخرى تدعو الى اسقاط النظام وحل مجلسي الوزراء والنواب، مطلقين العنان لأغان ثورية ذكّرت اللبنانيين بزمن الخيبة والويلات التي لحقت بهم من جراء هذه الممارسات إضافة إلى الدعوات الى الانقلاب على الدولة واسقاطها من خلال احتلال المؤسسات العامة من دون تحديد البديل وكأن الفراغ وأخذ البلد إلى المجهول هو هدفهم المنشود.
لم ينفك هذا «اليسار« عن تحويل وسط بيروت بشكل يومي إلى ساحة دامية وساحة صراع وحرب بين اللبنانيين وبين المتظاهرين أنفسهم، وذلك من خلال توجهات تقودها غرف سوداء وكأنهم في حالة بحث مستمرة عن قضية مطلبية ما، يستغلونها ليعبروا من خلالها على أوجاع الناس وفوق جراحهم وأوجاعهم لتحقيق مكتسبات خاصة. وهنا يُعبّر أحد رموز الحزب الشيوعي السابقين عن حالات التسلل بين صفوف المتظاهرين التي تقوم بها جماعة امين عام الحزب الشيوعي خالد حدادة على حد وصفه لهم، بالقول «هؤلاء يريدون ضرب الحراك بشتّى الطرق ويستغلون قضايا الناس ومطالبهم للظهور مجددا في الشارع وللقول بأنهم ما يزالون يتمتعون بحيثيات ومكانة بين الناس».
ويتابع: نحن كنا نشارك في جزء من تحركات في الشارع، لكن تحت مطلب الدعوة الى اجراء انتخابات نيابية وهو امر يجتمع عليه كل الشعب اللبناني، ولكن جماعة يسار الوصاية السورية سرقوا مطالب الناس واعتدوا على شعارات مطلبية محقة لصالح شعارات زائفة تحمل نفس النظام السوري. ومن ذهب منذ فترة الى سوريا تحت جنح الظلام للقاء الاسد وعاد بمشروع جديد عنوانه «المقاومة» عند الحدود اللبنانية السورية وقام باخراج مقاطع مصورة تظهر عناصره المسلحة في الجرود لحماية نظام بشار، لا يحق له النزول إلى وسط العاصمة والمطالبة بإسقاط النظام اللبناني ونسفه».
من مساوئ استغلال الحراك، ظهور وجوه على الساحات مجدداً بعدما كانت الناس قد نسيتها وكانت تنشط في مجال اعداد التقارير الامنية لصالح المخابرات السورية في زمن الوصاية. رموز ذكرت بزمن الفوضى وتفلّت السلاح وبزمن الإنقلابات. خالد حدادة، شربل نحاس وزاهر الخطيب ونجاح واكيم وغيرهم من الذين سبقهم تاريخهم إلى الساحة. أسماء لمعت في زمن الحرب وهم من امرائها، عادت اليوم لتنكأ الجراح وتقلب مواجع الناس خصوصا وأن جزءاً من الذين نزلوا الى الشارع لهم مع كل شخص من هؤلاء حكاية تذكر بقتل شقيق وخطف اخ وإعدام جار.
الشيوعي السابق نفسه يُنهي كلامه حول من اسماهم بـ»اليسار المتسلّق» او «يسار حدادة»: «ثمة صاعدون على اكتاف اليسار القديم أوقعوا انفسهم في فخ المزايدات، فعلقوا بين مطالب التغيير على الطريقة الديموقراطية وبين براثن سياسيين هم في الأصل تملّقوا مواقفهم حتى صعدوا مواقعهم حتى ضاعت مطالبهم بين دعوات التحريض ومشاهد الدماء التي سالت على الأرض وعلى أسرّة المستشفيات، والأمرّ من هذا كله أنهم شاهدوا وسمعوا بالصوت والصورة هتافات مذهبت الحراك وجيّرته وكأنهم يُعطون من خلال الشعارات التي يُطلقونها كلمة السر للنظام السوري للعودة الى لبنان من النافذة بعدما لفظناهم من الباب العريض».
عبثاً يحاول يسار الوصاية السورية ركوب موجة التحضر، فهو يُصرّ على التبعية. يبحث عن تغرة ينفذ عبرها الى الواجهة لكنه سرعان ما يكتشف بأن الصفوف الخلفية تليق به أكثر.