Site icon IMLebanon

تجديد الحرب السورية

دخول الجيش الروسي، بطيرانه الحربي على الأقل، ميدان الحرب السورية، يجدد صورة هذه الحرب بعد أربع سنوات دموية رعتها الولايات المتحدة ومعها أوروبا، متعمدة إهمال الوقائع المتحركة على الأرض، وصولاً الى قصفها الجوي للإرهاب ممثلاً بـ «داعش» في العراق، مع حصة ضئيلة لسورية.

لروسيا قراراتها الخاصة بها سياسياً وعسكرياً كما للولايات المتحدة، لكن قصف الطائرات الروسية الطالعة من ترسانتها في سورية بدا أكثر شفافية، فمنذ انطلاق العمليات حرصت موسكو على تحديد الأماكن المستهدفة، معترفة بأنها تقصف مواقع المعارضة المسلحة كلها ولا تقتصر على «داعش»، وهي بذلك تخيب أمل واشنطن، التي افترضت أن الطيران الروسي عامل مساعد في الحرب على الإرهاب ولا ينفذ أجندة خاصة.

الأميركي والروسي يتنافسان في «الحرب السورية»، فيما «الثورة» أصبحت ذكرى من الماضي لأنها لم تنتقل منذ الخطوة الأولى إلى مجال العقل وحركة الواقع. هكذا، ضاعت أرواح غالية وتحطمت حواضر وآثار ضاربة في تاريخ المنطقة، لتبقى في الميدان السوري قوتان رئيسيتان: مسلحون إسلاميون يراوحون بين الغلو («داعش» و»النصرة») واعتدال يتدرج صعوداً نحو الغلو (جماعات كثيرة لم يتمكن أحد من حصر عددها تماماً). والقوة الثانية هي جيش النظام والمتطوعون المناصرون له، مع «حزب الله» الذي اعترف مبكراً بتدخله عسكرياً في سورية، وربما هناك غرباء غيره يتم الكلام عليهم في الإعلام من دون تدقيق.

«الثورة السورية» المغدورة بأيدي الثوار، كانت حلماً بالتغيير الديموقراطي، وصولاً الى نظام يحترم حقوق الإنسان ويعتمد قانوناً واحداً لوطن واحد بعيداً من الفساد والمحسوبية، مجرد حلم يختبئ في قلوب المدنيين السوريين الصابرين، كما في قلوب النازحين. وقد حقق المسلحون الإسلاميون، على اختلاف أطيافهم، رغبة النظام في إيصال السوريين والعالم الى الاختيار بين أمرين: الحكم الديكتاتوري بقانون صارم أو حكم الإرهاب الماضوي الدموي، ولا ثالث مما يحلم به أهل الثورة.

هذه الصورة المؤسفة توضحت بعد أربع سنوات من الحرب، وكانت قراءتها ممكنة منذ البدء، على رغم «جهود» ليبراليين ويساريين في عرقلة الرؤية مستخفّين بالمسلحين الإسلاميين، إذ اعتبروهم أشبه بخدم يقدمون حماستهم ودماءهم مجاناً لمصلحة معارضة مدنية متعالية يتمركز معظمها في مدن عربية وأوروبية وأميركية.

في السنوات الأربع كانت الولايات المتحدة، ومعها أوروبا، تكتفي بشعار إسقاط الأسد وتعتبر ما يحدث في الميدان السوري مجرد تفصيل، حتى إذا صار التفصيل متناً رئيسياً، وهو كذلك منذ البدء، بدأ الارتباك، أو انه كان مضمراً فتم إعلانه. وها هي تصريحات مسؤولين أميركيين وأوروبيين تتراجع عن الحسم العسكري وتضع الحل السياسي في الدرجة الأولى وإن اقتضى بقاء الأسد في مرحلة انتقالية، مع بعض التقييد لصلاحياته.

وتعلو في واشنطن هذه الأيام أصوات تعتبر الحرب على «داعش» اختصاراً مخلاً، مشيرة الى وجود أربعة أفرقاء في الحرب السورية هم بالإضافة الى «داعش»: نظام الأسد والأكراد السوريون وما بين 26 و30 جماعة إسلامية. وكل فريق من الأربعة يقاتل في فضائه الخاص، فلا يستطيع أي منهم السيطرة على كامل الأرض السورية. وهنا نلاحظ تغييب «الجيش الحر» أو تهميشه على الأقل في إطار الجماعات الإسلامية.

وبينما يعيش الرئيس باراك أوباما أشهُر الوداع في عهده، تتصاعد المهاترات بين الجمهوريين والديموقراطيين استعداداً لانتخابات الرئاسة، ويتراجع الكلام على القضية السورية، أو أنه ينتقل الى الدوائر الضيقة، خصوصاً أن الحضور الروسي يتطلب أفكاراً أميركية جديدة تجاه سورية، بعدما انتقل من الفيتو في مجلس الأمن الى القصف الجوي في الميدان مطوراً قاعدتيه العسكريتين في سورية. هذا المتغيّر يتطلب أن تأخذ واشنطن في الاعتبار طبيعة علاقتها مع موسكو وحدود نفوذ الدولتين في المشرق العربي المفتوح على غير احتمال. وحده الشعب السوري يتحمل الآلام، فيما يذهب كل من الإيراني والتركي إلى القلق الشديد على مصالحه ونفوذه في سورية، وذلك يعود إلى تراجع دوريهما في مرحلة من الحرب السورية تقوم على تعاون أو على تنافس أميركي – روسي في سبيل القضاء على الإرهاب… وأكثر.