لم تهمد بعد تداعيات حزن البطريرك بشارة الراعي على الحالة المسيحية في أكثر من قطاع، من الرئاسة الى أصغر وظيفة في الدولة اللبنانية. فكل تلك الجراح تندرج في خانة «ضرب الميثاقية». فهل المطلوب أن تأتي الضربات من كل مكان حتى من أهل البيت؟.
«انبهر» الجميع بالأضواء التي خرجت من معراب لحظة اعلان التلاقي بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية». الكنيسة كانت أول المرحبين. كيف لها أن ترفض المصالحة المسيحية المنتظرة منذ ثلاثين عاما. أفضت هذه المصالحة الى الكثير وفي مقدم ما أفضت اليه دعم «القوات» لترشح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
ازدحمت قاعة المرشحين في «محور المقاومة». هل المطلوب من الكنيسة ان تدعو زعيم زغرتا للتنازل لـ«الجنرال» أو العكس؟ تجزم أوساط كنسية بالنفي: «لن تقدم بكركي الى هذه الخطوة أبدا. فمنذ البداية الكنيسة لم يكن لديها مرشح ولم تلجأ الى تزكية فلان أو علان. لم ولن تدخل في هذه اللعبة لأن هذا ليس نهجها». نهج الكنيسة يقضي، وهذا سينجلي بوضوح في اجتماع مجلس المطارنة الموارنة غدا الاربعاء، بـ«التشديد على وجوب التفاهم المسيحي المسيحي». ومن هنا ترى الأوساط ان الرؤية واضحة. وتضيف: ما قاله فرنجية من درج بكركي بأن «عنواني معروف وين» يبدو أن المعنيين لم يوظفوها بعد. قد يكون الكلام «على السكت» حاليا بينهما، وقد يكون التوجه الى الاسترسال اكثر في التواصل، ولكن المسألة حتى الآن ضبابية.
بتهيب تنظر بكركي الى تداعيات «مشهدية معراب». فالحدث مبارك، ولكن لتداعياته أدوارا يجب أن يضطلع بها أصحابها. غالبية مسيحية تقاربت ودعمت ترشيح من يحظى بمستوى تمثيلي هو الأعلى ومن ثمة من يعتبر أنه «لا يمكن لبكركي ان تتجاهل الأمر من دون تعريض المجتمع المسيحي الى احباط أو ربما نكسة، فالأمر يتخطى مسألة التحالفات والتفاهمات، ويتوقع كثر ان يتبدى حرص كنسي على استكمال المشهد المسيحي بكل تكاوينه للسير في خريطة طريق تطمئن الجميع من دون استثناء وتشمل كل المفاصل، من الرئاسة الى بقية المؤسسات الدستورية وقانون انتخاب وسائر الاستحقاقات».
في هذه المهمة التي تخرج من الخندق المسيحي الى كل الوطن، المسؤولية تقع كذلك على الشريك في الوطن. ترفض هذه المقاربة «أي أعذار لضرب الوحدة المسيحية التي لا يجب ان تعرقل أو يتم تأخيرها، فهذا الدور سيئ جدا ولا يجوز تبريره بحساب أصوات من هنا أو رمي الكرة في ملعب سعد الحريري. المطلوب من فرنجية ان يحترم الارادة المسيحية على قاعدة انه شريك فعلي فيها، لأن الاتفاق الذي حصل يحقق له أهدافه أيضا ومن ضمنها ترشيح العماد عون».
تبحث بكركي في بنود التلاقي بين «التيار الوطني» و«القوات»، فتجد ان كل نداءاتها الكنسية موجودة فيه، فضلا عن الثوابت الكنسية والطائف وقانون الانتخاب الذي يحفظ الشراكة الحقيقية. ربما هي «سابقة» مسيحية تواجهها الكنيسة اليوم. سابقة ايجابية لم يتوصل اليها الموارنة في تاريخهم، وقد تصل الى حد «العجيبة» اذا ما انضم اليها فرنجية وحزب «الكتائب» وصولا الى بقية الشركاء في الوطن.
ومن أبرز زوار بكركي أمس أمين سر تكتل التغيير والاصلاح النائب ابراهيم كنعان الذي تحدث عن التفاهم بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» فقال: «اردناها خطوة خاصة مسيحية وليس ثنائية، عابرة للطوائف ولـ 8 و14، لذلك اليد ممدوده للجميع وستبقى، لان هذا الاتفاق هو اتفاق عام يشكل رؤية مسيحية. نعم تم ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية لاسباب عديدة، وابرزها انه الاكثر تجسيدا مسيحيا وميثاقيا ووطنيا لهذا الواقع الذي نعيشه ونحن نحتاج لرئاسة قوية تجسد هذه الارادة المسيحية الوطنية». وختم: «لمست عند البطريرك رعايته لهذا الوضع المسيحي الجديد والديناميكية المسيحية الجديدة والتي نريد منها ما هو ابعد من التحالفات والتفاهمات، اي نريد منها استعادة الحضور والشراكة الوطنية الفعلية مع الشريك الاخر في الوطن».
كما استقبل البطريرك سفير فرنسا إيمانويل بون الذي ثمّن «المواقف الواضحة» للبطريرك الراعي التي يعبر عنها، «والمتعلقة بضرورة إيجاد حل بأسرع وقت ممكن في موضوع الانتخابات الرئاسية». وقال «نتشارك وإياه الإرادة للمساعدة في الإنتخابات الرئاسية وحل الأزمة السياسية في أسرع وقت، وعلى هذا الأساس سنتابع حوارنا».