تتحرّك أسعار الفوائد بين أوروبا والولايات المتحدة في الاتجاه المعاكس، وهذا ما تبيّن في الأشهر القليلة الماضية وما أكده دراغي بعد الاجتماع الأخير للمركزي الأوروبي. هذا الاختلاف الكبير قد يكون جديداً في الأسواق العالمية، وقد يكون من الصعب معرفة مدى تأثير هذا التباين في الأسواق المالية.
حسب رئيس Bianco للأبحاث، جيم بيانكو، لا تزال الآثار التي ستترتب على اسواق المال وسندات الشركات والمديونية غير معروفة، وقد تعمل بشكل صحيح إلّا أنه ودائماً حسب بيانكو، «تبقى التجربة كبيرة». كذلك وحسب اكسل ويبر رئيس مجموعة UBS إنّ النظام المتّبع في معظم المصارف المركزية في العالم- مجلس الاحتياطي الفيديرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان- في محاربة التضخم لم يعد مناسباً لهذا الغرض.
كذلك وحسب ويبر، فإنّ الأزمة الاقتصادية العالمية والتي حلّت في العام ٢٠٠٨ لم تستردّ عافيتها تماماً ما يثير شكوكاً خطيرة حول هذا النهج المتّبع- كذلك السياسة النقدية والتي تركز على مؤشر أسعار المستهلك تشوّه الهيكلية الاقتصادية وتعوق تعزيز النموّ وتزرع بذور عدم الاستقرار في المستقبل. لذلك استهداف التضخم يعني سياسة مالية توسعية وغير متماثلة.
لذلك قد يكون التباين الأخير في مسارات المصارف المركزية الكبرى والذي يتمثل بفوائد تسير باتجاهات معاكسة ولتحقيق الغايات نفسها تكون قد زرعت بذورَ شك في المنهج العام وأضفت شيئاً من عدم اليقين للسياسات المالية والنقدية. وحسب الاقتصاديين لا سيما أكسيل ويبر، ما يفعله اليوم دراغي ويلين هو خطأ وحسبه المصارف المركزية العالمية لا سيما الفاعلة في الاقتصاد العالمي هي في المسار الخاطئ.
لذلك قد يكون الامر موضوع ثقة ووضوح ومصداقية في التعاطي. وقد يكون السؤال للمستثمرين ما إذا كانوا يفضلون الاستثمار في الولايات المتحدة حيث يتحسّن الاقتصاد والمصارف تبدو بصورة أحسن حالاً من نظيراتها الأوروبية او أنه يفضل الاستثمار في منطقة اليورو حيث الاقتصاد ما يزال بحاجة لتحفيزٍ أكبر مع فوائد سلبية ومعدلات تضخم قريبة من الصفر، وقد يكون الجواب واضحاً لا سيما وأنّ التوقعات الطويلة الأجل لأميركا هي أحسن حالاً منها لأوروبا وقد تكون تصرّفات يلين ودراغي خير دليل على ذلك حيث نرى دراغي يتعاطى مع الامور بطريقة ردّ الصدمات، بينما نرى يلين تتعاطى معها بثقة معربة مراراً و تكراراً بأنّ معدلات الفوائد في المستقبل سترتفع تدريجاً تدعمها في ذلك تقارير إقتصادية مشجّعة لا سيما تقرير الوظائف والنمو والصورة الاقتصادية بشكلٍ عام.
وبالمختصر وضوح الرؤيا الاقتصادية المحتملة في المستقبل ما جعلها تكسب مصداقية ضمن إدارتها ومع المستثمرين والمحلّلين الماليين بشكلٍ عام، هذا للأسف ما يفتقده دراغي حتى أصبحت كلمته الشهيرة «Whatever it takes» مدعاة تهكم من قبل العديد من المحلّلين والمستثمرين وباتت كلماته هذه لا تعني الكثير، والبرهان على ذلك تردّدات اجتماع آذار للبنك المركزي الأوروبي في الصحف ووسائل الاعلام والتي لم تعطِ أيَّ معنى إضافي لما قاله سابقاً.
لذلك ومهما كانت عيوبُ قرارات المصارف المركزية الكبرى تبقى الصورة واضحة وهي أنّ الولايات المتحدة تتقدم على الاتحاد الأوروبي في مراحل الانتعاش وهي في مرحلة مختلفة في سياستها النقدية ومن المرجح ان تزداد الصورة تبايناً ولو بنسبة متواضعة خلال السنوات القليلة المقبلة.
كذلك من المحتمل أن يزداد التباعد أكثر مع بنك اليابان وبنك الصين الشعبي. وبالعودة لمسألة مضاعفات هكذا تباين فمن المرجح أن يعزّز من قوة الدولار ما يزيد من صعوبات المقترضين بالدولار الأميركي.
وما هو واضح للعيان هو أنّ منطقة اليورو حالياً تمرّ بأزمة كبرى يعتبرها الكثيرون إثباتاً للمشككين بأنّ الاتحاد النقدي والذي يشمل مجموعة من البلدان سيكون مصيره الفشل لا سيما وأنّ الدول لا تشكل ما يسميه الاقتصاديون المنطقة الأمثل للعملة الواحدة، وقي نظر المشككين قد يكون من الأفضل لكلّ دولة ضمن الاتحاد أن تحدّد أسعار فوائد ملائمة لظروفها الاقتصادية المحلية ما يثير السؤال التالي: كم تكون متباعدة أسعار فوائد البنك المركزي الأوروبي في منطقة اليورو ككلّ عن تلك التي تكون للدول الأعضاء منفردة.
والجواب طبيعي عند الاقتصاديين الذين يرون طبيعياً أن تكون السياسات النقدية متفاوتة بين الدول ودون تحديد آليات من أجل تصحيح الاختلالات الاقتصادية الني تواجهها.
وهذا الشىء، لا ينطبق على الولايات المتحدة وفيديراليّتها ولذلك ليس من المدهش أن تكون الديناميكية مختلفة بين هاتين المنطقتين، والولايات المتحدة، هي أقرب الى أن تكون سوقاً حقيقية من منطقة اليورو. فازدهار تكساس على سبيل المثال سيجذب عمالاً من ولاياتٍ أخرى دون أن يكون هنالك عائقُ لغة أو فوارق حادة، وهذا لا ينطبق على أوروبا لا سيما حركة العمال داخلها.
لذلك قد يكون تطبيقُ سياساتٍ نقدية واحدة في اقتصاداتٍ مختلفة ومتفاوتة بشكل كبير من أكبر التحدّيات التي يواجهها المركزي الأوروبي، وقد تكون سياسة نقدية واحدة لاقتصاداتٍ مختلفة غير طبيعية، وقد يكون من الأجدى تضييق الفجوة بين المناطق وهذا ايضاً غير محتمل في القريب.
هكذا نرى أنّ الفوارق ليست فقط في أسعار الفوائد وتوقيت السياسات المالية والنقدية بل جذورها تعود الى العام ١٩٩٩ عند قيام منطقة اليورو وكيانها بالتحديد ما يشكل تحدّياً صارخاً لمفهوم السياسات النقدية والمالية وديناميكية الاقتصاد في الوحدات المالية بشكل عام.
وقد لا تكون الفوارق هي فقط بين تعاطي يلين ودراغي مع مشكلات هي بالمطلق موجودة قبل وخلال وبعد الأزمة المالية العالمية ولا تشكل تحدّياً صارخاً لمفهوم السياسات الاقتصادية، إنما قد يكون قيام الاتحاد الاوروبي مع تفاوت مقوّماته غير منطقي ويعرّض أيّ سياسة مالية ونقدية للفشل.
واختلاف الحكام في هكذا واقع شيء طبيعي ونجاح أميركي اقتصادي بعد الأزمة المالية لهُ ما يفسره مع يلين أو غيرها، كذلك، فإنّ فشل أوروبا له ايضاً معانيه في ظلّ هكذا تفاوت.