IMLebanon

تداعيات الأزمة السياسية على الإقتصاد كارثية

بعد قرار رئيس الجمهورية تعليق عمل مجلس النواب لشهر إستنادًا للمادة ٥٩ من الدستور، يُطرح السؤال عن مصير القضايا الإقتصادية والمالية خلال هذه الفترة، والفترة التي ستلي.

على الرغم من الأداء الجيد الذي سجّلته الحكومة في الأسابيع الأولى لتشكيلها خصوصًا على صعيدي الملفات الإقتصادية والتعيينات الإدارية، إلا أن ملف الموازنة وقانون الإنتخاب أظهرا إلى العلن عمق الخلافات السياسية والتي دفعت بأداء الحكومة إلى التراجع إلى حدٍ كبير.

المُشكلة الكبيرة تبقى في قانون الإنتخاب الذي تظهر أبعاده الإستراتيجية للمرحلة المُقبلة إن على الصعيد السياسي أو الإقتصادي. فالأغلبية النيابية لفريق مُعيّن تسمح له بوضع سياسة لبنان الداخلية والخارجية كما والمشاريع الإقتصادية التي ستواكب بدء عصر إستخراج النفط والغاز.

تنبع القرارات الإقتصادية من رحمي مجلس الوزراء ومجلس النواب وبالتالي فإن حجم المشاريع المُتوقّعة في لبنان كبير إلى درجة يعّي معها الفرقاء أهمية السيطرة على القرار الإقتصادي في المرحلة المُقبلة.

وبحسب التوقعات، هناك مشاريع بقيمة أكثر من ٢٠ مليار ليرة في الأفق على مدى السنوات العشر القادمة، وتحتاج إلى قرارات سياسية لتمريرها بدءًا من قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، مرورًا برخص للشركات في بعض القطاعات الإستراتيجية وصولًا إلى مشاريع إنمائية وبنيوية على كامل الأراضي اللبنانية.

هنا يظهر إلى العلن أسلوب «الإبتزاز» في القرارات الإقتصادية الحالية حيث يتمّ رهن كل شيء بقانون الإنتخاب وبالتالي أصبح القرار الإقتصادي رهينة القرار السياسي.

هذا الوضع المُتشنّج سياسيًا ينسحب تلقائيًا على الوضع الإقتصادي خصوصًا على صعيد الإستثمارات التي ترتبط بشكل وثيق بالوضع السياسي كما تُظهره البيانات التاريخية لأسعار التأمين على سندات الخزينة اللبنانية (LB CDS 5Y) والتي ترتفع مع إرتفاع وتيرة الإشتباك السياسي عاكسة بذلك مزاج المُستثمرين ليس فقط في سندات الخزينة بل في الإقتصاد اللبناني عامّة.

التشنجات السياسية لها تداعيات سلبية على الإقتصاد اللبناني خصوصًا إذا ما تمّ اللجوء إلى شارع مقابل شارع. هذه الإستراتيجية ستؤدّي حتمًا إلى ضرب القطاعات الإقتصادية كافة خصوصا الإستثمارات فيها. على هذا الصعيد، نرى أن القطاع السياحي سيكون من أكثر المُتضرّرين من ناحية أنه لن يكون هناك إستثمارات جديدة في هذا القطاع (وهذا الأمر شبه أكيد) بل ستقتصر كل العملية على محاولة تعظيم الأرباح للإستثمارات القديمة.

البنى التحتية لن تكون بأفضل حال خصوصًا أنها بحاجة إلى إستثمارات لا تستطيع الحكومة اللبنانية تمويلها وهي بحاجة إلى تمويل من القطاع الخاص. هذا التمويل لن يكون مُمكنًا في غياب قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص وفي غياب الاستقرار السياسي. ومع فرضية أن المواجهة السياسية الحالية مُستمرة إلى ما بعد إجراء الإنتخابات النيابية، نرى أن من شبه المُستحيل إقرار قوانين ذات طابع إقتصادي في مجلس النواب.

على صعيد القطاع النفطي، نرى أن التخبّط السياسي سيؤجّل التلزيمات المُتوقّعة في شهر أيلول ٢٠١٧ من ناحية أن هناك عاملا سياسيا إلزاميا في خيار الشركات وأن هذا الأخير ليس إقتصاديا بحتا.

وفي ما يخص الإستثمارات في قطاع الخدمات والدعم لقطاع النفط، نرى أن الشركات لن تبدأ إستثماراتها الأن بل ستتريّث إلى حين التوصلّ إلى قانون إنتخاب جديد ومعرفة الوجه السياسي الجديد للبنان وخصوصًا سياسته الخارجية التي أصبح من شبه المؤكّد أنها تعتمد بشكل كبير على نتائج الإنتخابات النيابية.

أضف إلى ذلك، إن التخبط السياسي سيمنع أي محاربة للفساد خصوصًا أن محاسبة الفاسدين ستصطدم بالعامل الطائفي المذهبي الذي سيتلطّى خلفه الفاسدون. وبالتالي، من شبه المُستحيل إقرار قانون محاربة الفساد وتطبيقه على الرغم من إجتماعات لجنة العدل النيابية. وهذا الأمر ستكون له تداعيات سلبية على الإستثمارات في القطاعات كافة.

ولا يُمكن نسيان الخضّة السياسية التي ستنتج عن لائحة العقوبات الأميركية الجديدة على حزب الله وعلى مناصريه من مُختلف الطوائف. هذه الخضّة تُثير المخاوف على القطاع المصرفي على الرغم من الإلتزام الكلّي لهذا الأخير بالقوانين الدولية خصوصًا الأميركية منها.

قرار رئيس الجمهورية بإستخدام صلاحيته الدستورية عبر المادة ٥٩ من الدستور اللبناني، أجّلت مواجهة سياسية كانت لتكون في الشارع لو لم يؤجّل الرئيس عمل المجلس النيابي لمدّة شهر، وأعفت لبنان من ١٣ نيسان ثانٍ.

لكن هذا القرار علّق معه القرارات الإقتصادية الُمنتظرة من المجلس النيابي (مشروع موازنة العام ٢٠١٧…) وحتى من الحكومة التي أصبح من شبه الأكيد أنها ستنكبّ بشكل شبه حصري على دراسة قانون الإنتخاب تفاديًا لسيناريو كارثي في ١٥ أيار المُقبل.

يبقى القول إن ربطّ القرارات الإقتصادية بالقرارات السياسية هو أمر مُضرّ بالإقتصاد اللبناني وبماليته العامّة التي ستتراجع أكثر فأكثر مع الوقت خصوصًا أن العجز في الموازنة سيتخطّى ٧ مليار دولار أميركي خلافًا لكل التصاريح. ولا يجب نسيان سلسلة الرتب والرواتب التي ستفرض نفسها في كل مناسبة سياسية أو إقتصادية.

الوضع سيكون مُقلِقًا في الأشهر القادمة، والأطراف السياسية مُطالبة بتجنيب لبنان الخضوع المالي لوصاية صندوق النقد الدولي وما له من تداعيات على مستوى الضرائب وعلى الوضع الإجتماعي اللبناني. خصوصا أن سياسة صندوق النقد الدولي تتجه إلى التقشّف الإجتماعي والإداري وبالتالي، سيكون هناك خوف من ثورة إجتماعية تُطيح النظام السياسي اللبناني.

وبالتالي، من مصلحة كل الأطراف السياسية الإتفاق على قانون إنتخاب يسمح للبنان بتخطّي الإنقسامات السياسية وعدم الإنتقال من إنقسام ٨ – ١٤ إلى إنقسام طائفي لن تكون نتائجه محمودة لكل الأطراف.