IMLebanon

تداعيات «الفيتو» المسيحي خطيرة

عكست الأجواء التي رافقت المشاورات المتعلقة بالجلسة التشريعية المقبلة تداعيات خطرة، متمثلة بخروج الصراع في البلاد عن طابعه السياسي، بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، ليتحول إلى طائفي بامتياز متمثل بظهور تكتل جديد، برز من خلال تحالف التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، مقابل آخر يضم أغلب القوى الإسلامية، التي تختلف على كل القضايا الأساسية باستثناء ضرورة انعقاد الجلسة التشريعية، نتيجة الضغوط التي تهدد المالية العامة.

المسار الجديد في الأزمة السياسية في لبنان، يعكس تطورات المشاورات القائمة على مستوى المنطقة، بالنسبة إلى الكيانات الجديدة التي قد تظهر نتيجة الحروب الدائرة فيها منذ سنوات، والتي بدأت معالمها تظهر بعد انفجار أزمة النفايات التي بدورها أخذت طابعاً طائفياً، الأمر الذي يجب التعامل معه بكل جدية، لأن ما بعد أزمة الجلسة التشريعية لن يكون كما قبلها بأي شكل من الأشكال، سواء عقدت هذه الجلسة أو نجح المعارضون بعرقلتها عبر المساعي التي يقومون بها، والتي سبقها العودة إلى طرح الفيدرالية في البلاد من قبل بعض القوى الفاعلة، بالرغم من نفيها لها لاحقاً نتيجة الأزمة التي ولدت على أثرها.

بالنسبة إلى مصادر سياسية مطلعة على الاتصالات والمشاورات الدائرة، فإن الأزمة القائمة على المستوى التشريعي مفتعلة إلى حد بعيد، لأن أسبابها الحقيقية تكمن في المزيدات المسيحية – المسيحية، في حين أن المخرج الفعلي يكمن في اتفاقها على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، بدل أن يكون توافقها على العرقلة فقط، وتسأل: »أين هي أزمة قانون الانتخاب حالياً؟»، لتشير إلى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري عمل على ابتكار تسوية حقيقية من خلال إدراج قانون استعادة الجنسية، بالرغم من إدراكه حجم الاعتراضات الإسلامية عليه، في حين أن هناك ما يقارب 17 مشروع قانون انتخاب ليس هناك أي توافق بالحد الأدنى على أي منها، وتضيف: «هناك مخاطر حقيقية على البلاد ينبغي التعامل معها بكل مسؤولية بدل الاستمرار في لعبة التعطيل التي ستكون تداعياتها خطرة على الأوضاع المالية والأمنية».

وفي حين لا تزال هذه المصادر تعلق الآمال على احتمال التوصل إلى تسوية سياسية، في الربع ساعة الأخير، تلفت، إلى أن الحديث عن «فيتو» مسيحي من قبل بعض القوى السياسية أمر خطر جداً، بالرغم من أنه لن يشمل إلا بعض المواضيع دون غيرها، وتشير إلى أن هذا الأمر سوف يدفع إلى ولادة »فيتوات» من طوائف ومذاهب أخرى، مع العلم أن القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لا يستطيعان أن يؤمنا مقاطعة تامة من النواب المسيحيين، نظراً إلى أن هناك قوى وشخصيات مُصرة على المشاركة من أجل إقرار بعض القوانين المهمة، لا سيما تلك التي يهدد عدم إقرارها بتداعيات خطرة على الأوضاع المالية.

وفي وقت ترى فيه هذه المصادر أن الأمور ستكون متوقفة على مواقف حلفاء الفريقين المسيحيين الأساسيين، توضح أن تيار المستقبل لن يستطيع التماهي مع القوات اللبنانية في هذا الأمر، نظراً إلى أنه من أبرز الداعمين لتوجه عقد الجلسة التشريعية، وتشير إلى أن السؤال يبقى حول موقف حزب الله، الذي عبر من خلال نوابه عن ضرورة عقدها في أكثر من مناسبة، إلا أنه في المقابل يسعى إلى تجنب خيار التعارض مع توجهات التيار الوطني الحر، ويتخوف من امتداد تفسير الميثاقية في العمل التشريعي إلى العمل الحكومي، حيث يكون رئيس الحكومة تمام سلام قادر على الدعوة إلى عقد جلسات من دون مشاركة الحزب والتيار، لا سيما أن هناك من يسعى إلى تعميم هذه النظرية في الغرف المغلقة، تحت عنوان أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد تستدعي استنفار المؤسسات الدستورية لا تعطيلها.

في الجهة المقابلة، توضح مصادر نيابية مسيحية، أن الأزمة الحالية تعكس تداعيات غياب التوازن في الشركة على مستوى الحكم والقرار، القائمة منذ ولادة اتفاق الطائف بصورة غير شرعية، وتشدد على أن أحداً لا يستطيع اليوم القول إن الأمور في البلاد تسير بشكل طبيعي، فهناك فريق واسع من اللبنانيين يشعر بالغبن، وهذا الفريق، أي المسيحيون، يعتبر نفسه مستهدفاً على مستوى المنطقة، من خلال مشاريع التهجير التي تنفذ عبر الجماعات الإرهابية المتطرفة، وبالتالي على الشركاء في الوطن إثبات حسن نياتهم، من خلال تفهم الهواجس المسيحية بشكل كامل، عبر المساعدة على اختيار من يمثلهم في الرئاسة الأولى من جهة، والعمل على إقرار القوانين التي تعزز وجودهم في الدولة من جهة ثانية، وتضيف: »حتى الآن المسار الذي تسلكه الأحداث لا يبشر بالخير، وهذا هو الدفاع الأساس لولادة الفيتو المسيحي الذي يحكى عنه، والهدف منه الشراكة الفعلية من أجل الحفاظ على الصيغة اللبنانية لا التعطيل كما يظن البعض».

في هذا السياق، تشدد هذه المصادر على أن انعقاد الجلسة التشريعية، في ظل مقاطعة أغلب القوى السياسية المسيحية، أي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب، لن يمر مرور الكرام، بل على العكس من ذلك سوف يساهم في تعقيد الأزمة القائمة، والتي ستتحول إلى أزمة كيانية تتطلب إعادة البحث في كل النظام، وتضيف: «سنقاوم محاولات إلغـائنا لأن التجـاهل الحالي لا يمكن التغاضي عنه مهـما كان الثمن».

في المحصلة، تداعيات الأزمة الحالية كبيرة جداً، وجميع المسارات التي قد تسلكها مكلفة على الصعيد الوطني، نظراً إلى أن التصعيد المتبادل بين جميع الأفرقاء وصل إلى نقطة يصعب معها العودة إلى الوراء.