Site icon IMLebanon

عن جمهوريّة الحلم وسط الوقائع الانتخابية

فيما يغرق اللبنانيون في الجدل القائم حول ماهيّة القانون الانتخابيّ الأفضل الذي يكرّس المناصفة ويؤمّن صحّة التمثيل وعدالته ويَحمي الشراكة وميثاقيّة الدستور، تتولّى القوى السياسيّة في اللحظات الحرجة الأخيرة المتبقيّة لها محاولة إنتاج مولود جديد، لا يعرف ما إذا سيكون مسخاً هجيناً لو حصل، أو سيكون قادراً على خلق مشهد سياسيّ متجدّد تتمثّل فيه الطاقات الحيّة من خيرة نساء ورجال الوطن.

لا يكمن الحدث اليوم في التزام المهل الدستوريّة وفي تنفيذ القوانين المرعيّة الإجراء على أهمّيتها. ولن يكمن أيضاً في حال أجريت الانتخابات وفق القانون القائم على سلبيّاته. وسيّان لو تمّ التوصّل إلى قانون جديد يُقرّه المجلس النيابيّ، ولو تحت وطأة تمديد تقنيّ بسيط لإنهاء التحضيرات اللوجستيّة والإداريّة.

الحدث الأدهى يبقى في خطورة الربط القائم حصراً بين ما ستؤول إليه أحوال الجمهوريّة والوطن وبين اعتماد نظام انتخابيّ نسبيّ أو أكثريّ أو مختلط.

السؤال المطروح لا يهدف إلى المشاركة في حلقات الجدل القانوني المفيد أو الغريزيّ من ناحية، ولا إلى دفن الرؤوس في الرمال للتعمية من ناحية أخرى.

إنه سؤال محدّد، عابر ومتجاوز لحسابات الأشخاص والسياسات والأهواء، في ظلّ سهولة معيبة في تناول موضوع الجمهوريّة الممرّغة بتراب مفرداتها «الوطنية» و»الدستورية» و»الميثاقية»، ولبنان الوطن – الفكرة الذي بات في الوجدان العام مرادِفاً للصفقات والمصالح الصغيرة لا غير.

السؤال ليس بريئاً نعم، وهو يتوجّه إلى معظم الطبقة السياسيّة القائمة وفواصلها، وقد أسقطت في السابق المسلّمات كافة. ومعها شهدنا انهيارات متتالية ومهزلة مهينة، بحيث تمّ طمس كلّ خطّ أحمر أمام الفجور البيانيّ والمباشر والفاضح في تناول قضايانا الوطنيّة واستحقاقاتها في سوق عرضها وطلبها.

السؤال أيضاً موجَّه إلى كلّ مواطنة ومواطن من خارج الطبقة السياسيّة القائمة وفواصلها. ألم تتلمّسوا بعد مدى مسؤوليّتكم وسط هذه الهشاشة الكيانيّة والوجوديّة بالشكل والجوهر المعاشيْن بألم وإحباط؟!

لا يُخفى على أحد السبب الحقيقي الذي دفع بشعبنا إلى خسارة الحضور في الجمهوريّة التي نشأت من أجله، ومن ثم ضياع الجمهوريّة. فهل يعود إليه هذا الحضور عبر قانون يقرّه معظم من ضلّوا سبل الجمهوريّة وتناسوا جوهرها، فتستعاد الجمهوريّة؟!

نعم، ما بين قانون وآخر، قد تتشكّل فرصة حقيقيّة للمواطن في الانتخاب الحرّ والهادف. لكن، هل نحن في نظام حزبيّ حقيقيّ؟ أين البرامج ومَن يحاسب مَن؟ ماذا عن فرص الترشّح مع شرط المساواة بين المرشّحين؟

هل من هيئة إشراف على الانتخاب قادرة بقوّة القانون على جَبه كلّ انتهاك للعمليّة الانتخابيّة قبل وخلال إجرائها؟ كيف الوقوف في وجه أعتى سطوات الترغيب والتهديد والترويج الماديّة منها والمعنويّة؟ لماذا لم يكن مفيداً يوماً عند معظم الماسكين باللعبة السياسيّة والانتخابيّة التفتيش عن الكفاية والنزاهة وعن وجوه جديدة جدّية ومقْنعة من داخل أحزابهم وحركاتهم وتياراتهم ومن خارجها من المستقلّين؟

ما الفائدة من المناداة بالنسبيّة المفتوحة أو الواسعة أو المخفّفة، إذا كانت النسبية ستكون مقفلة على مثل هؤلاء من داخل المنتديات السياسية القائمة ومن خارجها؟ كيف ينفع قانون فصل النيابة عن الوزارة في ظلّ تمثّل الأكثريّة الساحقة من الكتل النيابية في مجلس الوزراء؟ ما معنى أن يكون الكلّ في الحكم أو لا يكون هناك حكم على الإطلاق؟

لقد فقدت الندوة البرلمانيّة واحداً من دوريْن لها لا ثالث يرفد أو يرأف: أوّلهما التشريع وثانيهما مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذيّة. فلنصارح بعضنا بعضاً: في ظلّ ندرة مَن بقيَ هاوياً لجمهوريّة الحلم في العقل والروح والتدبير ووسط كلّ هذا اللهيب من حولنا، أليس الأجدى بنا عدم رفع سقوف التوقّعات والآمال؟ ووسط كلّ وقائعنا «الانتخابية»، هل يبقى فعلاً جوهرياً ربط مآل جمهوريّتنا بقانون انتخابيّ نسبيّ أو أكثريّ أو مختلط؟!