IMLebanon

الشارع يُطالب باستقالة البرلمان!

 

مفاعيل الاستقالات النيابيّة وحلّ مجلس النّواب

 

على إثر جلسة مجلس النواب التي عُقدت لإقرار موازنة أنجزتها حكومة سقطت في الشارع، وتبنّتها حكومة جديدة لم تنل ثقة مجلس النوّاب، يمضي اللبنانيّون الى المطالبة باستقالة أعضاء المجلس النيابي وذلك في مواقف رافضة لكل السلطة القائمة التي يحمّلونها مسؤولية تدهور الاوضاع الاقتصادية والمالية. الّا ان الأمر يستدعي الاحاطة بعدة جوانب في الدستور في هذا الخصوص. وفي المبدأ يحدد المشترع عدد المقاعد الشاغرة التي تٌعتبر على أساسها المؤسّسة الدستوريّة مستقيلة او مُنحلّة، الّا أن الدستور اللبناني استثنى مجلس النواب ولم ينص على أي شغور يُعتبر على أساسه المجلس النيابيّ مُنحلاً، علماً أن النظام الداخلي لمجلس النواب أتاح للنائب الاستقالة بموجب المادة ١٦ منه.

 

الشغور لانحلال المجلس

 

إذا كان الدستور لم يحدد الشغور لانحلال المجلس، الّا انه حدد في المادّة ٣٤ منه نصاب الجلسات بـ«اكثريّة الأعضاء»، والذي يرتبط لزاماً بتمكين مجلس النّواب من مُمارسة جميع الصلاحيات الدستوريّة المنوطة به. فنزع الثقة من رئيس مجلس النواب أو نائبه يكون بأكثرية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس بحسب المادة ٤٤ من الدستور، وانتخاب رئيس الجمهورية يكون بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى بموجب المادة ٤٩، واتهام رئيس الجمهورية يكون بموجب قرار يصدره مجلس النّواب بغالبية ثلثي مجموع أعضائه بالاستناد الى المادة ٦٠، كما ان المادة ٧٧ من دستور تلزم المجلس تأييد ثلاثة أرباع أعضائه إذا اراد تعديل الدستور.

 

ولا يُمكن للمجلس النيابي مُمارسة مثل هذه الصلاحيات المنوطة به بموجب الدستور إذا كان عدد النواب بعد الاستقالات لا يصل الى ثلاثة ارباع عدده المحدد في قانون الانتخابات، وهو حالياً ١٢٨ نائبا. وذلك لأنّه لا يمكن تجزئة صلاحيّة المجلس النيابي في المُمارسة. ولهذا يُمكن اعتبار أن استقالة رُبع المجلس النيابي زائدا واحد – أي ٣٣ نائباً – يكفي لاعتبار المجلس مُنحلّاً على أساس أنّ المجلس لن يتمكّن من مُمارسة صلاحيّاته كافّة. أما إذا كان عدد المستقيلين من النّواب محدوداً ولا يعطّل أياً من صلاحيات المجلس، فيتم انتخاب النّواب الخلف خلال شهرين، عملاً بالمادة ٤١ من الدستور.

 

المفاعيل الدستوريّة للانحلال

 

وضع الدستور مفاعيل وآليات لحالة انحلال مجلس النواب بطلب من رئيس الجمهوريّة الى مجلس الوزراء وقرار الأخير القاضي بالحلّ. فالمادّة ٥٥ تناولت آلية حلّ مجلس النواب، وأشارت الى المادتين ٦٥ و٧٧ التي حدّدت الأسباب الموجبة لحلّ مجلس النواب. وقد اوجبت المادّة ٢٥ أن يشتمل قرار الحل على دعوة لإجراء انتخابات جديدة وهذه الانتخابات تجري وفقاً للمادة ٢٤ وتنتهي في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، على ان تستمر هيئة مكتب المجلس في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس جديد بموجب المادة ٥٥ من الدستور. وحدّدت المادة ٥٥ المخرج الدستوري في حال عدم إجراء الانتخابات ضمن المهلة المنصوص عنها في المادة ٢٥، وذلك بأن يُعتبر مرسوم الحل باطلاً وكأنه لم يكن ويستمر مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقاً لأحكام الدستور.

 

ولكن الدستور لم يُشِر الى حلّ مجلس النواب بسبب الشغور، ولم يتحدّث عن المفاعيل الدستوريّة المُتعلّقة بهذه الحالة الاستثنائية، وخصوصاً وجوب أن تحدد الحكومة موعداً لإجراء انتخابات لإعادة انتخاب أعضاء المجلس النّيابي المُنحلّ، والمهلة لإجراء الانتخابات، والآليّة المتّبعة في حال عدم إجراء الانتخابات ضمن المهلة المُحدّدة.

 

تغيير الواقع النيابيّ

 

إن الانتقال من الواقع النيابيّ المبني على التمثيل الطائفي الى برلمان يعتمدُ نظاماً سياسياً مدنياً ينبغي أن يستند الى أحكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، على أن يُصار الى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسيّة بموجب المادة ٩٥ التي تقترح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية.

 

ويجب إقرار قانون انتخاب للبرلمان من مجلسين – النواب والشيوخ – على أساس النسبيّة الكاملة، وبحسب المادة ٢٢ يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب من خارج القيد الطائفي وعلى أساس المحافظة (البند الرابع من الإصلاحات السياسية المتعلّقة بمجلس النواب بموجب وثيقة الوفاق الوطني)، في حين يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية.

 

وحتّى تجني الانتخابات ثمارها المرجوّة، يجب إقرار قانون ينظّم ويرعى قيام أحزاب جديدة وفق برامج سياسية بقصد تداول السلطة والمشاركة في مسؤوليات الحكم، على ان تقوم الأحزاب على أسس وطنيّة، فلا تُكوّن أحزاب على أساس ديني أو مذهبي أو مناطقي.

 

أمّا في المنظور القريب، يُمكن توجيه قوة ضغط الشارع لناحية إجراء انتخابات نيابيّة مبكّرة في حال نالت «حكومة انقاذ لبنان» ثّقة المجلس النيابي، عبر دفع المجلس الى إقرار قانون تُعدّل بموجبه مدّة ولايته الحالية.

 

كما يجب دراسة جميع الثغرات الدستورية التي كشفتها الأزمات السياسية المتابعة، وتعديل الدستور لتضمين الحلول العملية وتفادي مثل هذه المآزق في المستقبل.