ملامح تفاهمات سياسية ترتسم في مسار العمل الحكومي وتؤشِّر لتحالفات إنتخابية
وقائع استقالة الحكومة قرَّبت أطرافاً بين بعضهم وباعدت بين آخرين
يبقى اللافت في كل ما حصل، البرودة التي ما تزال تسود العلاقات بين رئيس الحكومة وتياره السياسي مع «القوات اللبنانية»
لا شك أن فترة استقالة الحكومة والتريث في البت فيها والتي استغرقت ما يقارب الشهر، قد اثرت في علاقات الاطراف السياسيين، فقربت بعضهم إلى بعض وباعدت بين آخرين وفرزت واقعاً سياسياً متمايزاً نوعاً ما عن الواقع السابق وأعطت إشارات عن بوادر وملامح تحالفات تبدو في الأفق في حال استمرت وتيرة المواقف السائدة على حالها ولم تحصل تبدلات فيها قبل موعد الانتخابات النيابية بعد ستة أشهر.
ولا يحتاج المرء إلى كثير جهد ليكتشف تباين المواقف التي أعلنتها الأطراف كافة خلال مرحلة الاستقالة، ليلاحظ بوضوح خريطة التبدلات الجديدة في علاقات الأطراف بعضها مع بعض وهي بلا شك ستؤثر في علاقاتها وتعاطيها بمقاربة المسائل والأمور المطروحة وفي طريقة العمل الحكومي الذي ينتظر ان يشهد انطلاقة جديدة بعد الانتهاء من مرحلة الاستقالة والتريث الدخول في مرحلة معاودة الحكومة للقيام بالمهمات المنوطة بها بعد أيام معدودة للتعويض عن فترة الشهر المنصرم والمباشرة باستكمال دراسة وإقرار المشاريع الحيوية والملحة التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية والتي لم تعد تحتمل أي تأخير في البت فيها والمباشرة بتنفيذها على الأرض.
وفي هذا الخصوص، يبدو التقارب جلياً أكثر من السابق بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي مع رئيس الحكومة وتياره السياسي على خلفية المواقف اللافتة التي اتخذها الرئيس عون في مقاربته لأزمة الاستقالة وتفهمه لدوافعها ورفضه لقبولها ومطالبته الرئيس الحريري بالعودة عنها.
وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس المجلس النيابي في احتوائه للأزمة ومنع تفاقمها وحرصه على استمرار الرئيس الحريري في ترؤس الحكومة، في حين لا يقل ذلك عن التصرف بمسؤولية عالية من قبل النائب وليد جنبلاط وحرصه على العلاقة الجيدة مع رئيس الحكومة ورفضه لأي طرح بديل لحل مشكلة الاستقالة كما تردّد في حينها، وهذا الموقف يعبر بوضوح عن تجاوز كل مؤثرات الفترة السابقة والانطلاق في مرحلة جديدة في العلاقات بين الطرفين.
يبقى اللافت في كل ما حصل، البرودة التي ما تزال تسود العلاقات بين رئيس الحكومة وتياره السياسي مع «القوات اللبنانية» على خلفية الالتباس في التعاطي مع مسألة الاستقالة وبدا من خلالها وكأن «القوات» تتناغم في مواقفها مع الداعين لقبول الاستقالة والبحث عن بديل للرئيس الحريري لتولي رئاسة الحكومة.
وبالرغم من كل التوضيحات اللاحقة لهذه المواقف التي صدرت عن رئيس حزب القوات وغيره من القياديين في الحزب ينتظر ان تتبلور العلاقات المستقبلية بين الطرفين بعد اللقاء المرتقب حصوله بين رئيس الحكومة والدكتور سمير جعجع لتحديد مسار هذه العلاقات وعما إذا كانت تتسم بوتيرة المرحلة السابقة أم ستختلف عنها بمؤثرات وتداعيات ماحصل خلال فترة استقالة الحكومة وملابساتها.
اما بالنسبة لعلاقات رئيس الحكومة وتياره السياسي مع «حزب الله» فمرتبطة بمدى التزام الحزب بالشروط والمطالب التي ستتضمنها ورقة التفاهم التي سيناقشها مجلس الوزراء في جلسته اليوم والمرتكزة على المحافظة على مصلحة لبنان العليا في كل المجالات وكيفية تعاطي الحزب في مقاربة المسائل والمواضيع المطروحة بالداخل في المرحلة المقبلة، ومن خلالها يمكن تقييم العلاقة التي ستلي مرحلة «ربط النزاع» التي ما تزال سارية بين الطرفين حتى اليوم.
وفي ضوء ما حفلت به فترة الاستقالة والتريث من مواقف وتصرفات وممارسات سياسية لكل الأطراف بالنسبة لكيفية مقاربة مسألة الاستقالة التي فاجأت الجميع من دون استثناء، لا يمكن تجاهل المواقف التي تصرفت بمسؤولية في الحفاظ على مصلحة لبنان في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، وهي مواقف بحد ذاتها قد تؤسس لمرحلة جديدة من التعاطي السياسي بين هذه الأطراف، إن كان في الشأن الحكومي والسياسي العام، أو في مرحلة التحالفات السياسية والانتخابية على مستوى لبنان كلّه، في حين يتطلب الأمر لتحديد مسار علاقات الأطراف بعضها البعض حيّزاً من الوقت لاستكشاف النوايا، بينما لا يمكن إسقاط المصالح ومؤثرات الخارج السلبية وتبعية البعض للمشاريع ومصالح الدول من خريطة التحالفات السياسية التي قد تتعرض لمتغيرات وتبدلات استناداً لهذه الوقائع التي تحيط بالوضع اللبناني.